الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
إن الله تعالى أحل لنا أكل بهيمة الأنعام وسائر الطيبات من الحيوان الذي يعيش في البر والبحر والجو يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ.
أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ وإنما حرم علينا أربعة أنواع بالإجمال: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [سورة النحل آية 115] .
وفي هذه الآية ذكر المحرم وهو عشرة:
الميتة: وهي ما ماتت وحدها بدون فعل فاعل، وفي الشرع: هي التي لم تذكّ ذكاة شرعية، وقد حرمت لما فيها من الضرر إذ الغالب أنها ماتت من مرض، وبقي فيها مكروبه وجراثيمه التي تعيش في الدم بعد الوفاة، أما إذا ذكيت فإن الدم الذي يحمل الجراثيم أو أغلبه ينزل منها، على أنها مما تعافها النفوس الطيبة وتأنف من أكلها الطباع السليمة.
الدم: والمراد به المسفوح لا المتجمد كالكبد والطحال، إذ هو مباءة للجراثيم الفتاكة، على أنه مستقذر عند الطبع السليم، مما يعسر هضمه وهو من فضلات الجسم الضار، كالبراز، فدل ذلك على أنه لا يحل أكله أبدا.
ولحم الخنزير: وهو ثالثة الأثافى، والمراد لحمه وعظمه ودهنه، وهو حيوان قذر لا يأكل إلا القاذورات والمواد العفنة، وقد أثبت الطب الحديث أن أكله يولد الدودة الشريطية، والدودة الوحيدة، والحلزونية، على أنه عسير الهضم، ضار بالمعدة ضررا بالغا، ولولا ما يستعين به بعض الغربيين من الأدوية ما أكلوه، على أن أكثر الدول حرمت ذبحه، وهل تقبل النفوس الطيبة على أكل حيوان كهذا؟ والإسلام حينما حرم
الكلب والخنزير لم يكن متعديا ولا متجنيا، بل لما فيهما من الضرر والخطورة، وإنما ينظر الشرع للجماهير والشعب لا لبعض أفراد يعنون بكلابهم مثلا فلا يطعمونهم إلا شهى اللحم!!! ما أهل لغير الله به: والإهلال رفع الصوت، وقد كانوا يرفعون صوتهم عند الذبح في الجاهلية بقولهم: باسم اللات والعزى
…
إلخ. فما ذبح وقد ذكر عليه اسم غير الله كان حراما أكله، إذ أكله مشاركة لأهله في عبادة غير الله، وهذا مما يجب إنكاره لا المشاركة فيه.
المنخنقة: هي ما ماتت خنقا بأى شكل كان، وهي نوع من الميتة التي لم تذك ذكاة شرعية، وإنما خصها القرآن بالذكر مع اندراجها في الميتة لئلا يظن أنها ماتت حتف أنفها بل بفعل فاعل فتحل، ولكن الشرع شرط الذكاة ليتأكد الإنسان مما يأكل ويثق من أن ما يتغذى به سليما من هذا الدم الفاسد الذي يراق بالذبح.
الموقوذة: هي التي ماتت بعصا أو بحجر بلا ذكاة شرعية وكانوا يأكلونها في الجاهلية، والوقذ يحرم في الإسلام لأنه تعذيب للحيوان شديد، وليست معه ذكاة ومن هنا حرمت.
ويدخل في الموقوذة ما رمى بعصا أو حجر ليس له حد، وما رمى بالبندق «وهو كرة من الطين تجفف ويرمى بها بعد يبسها» وكذا الحصاة فإن هذا كله لا يفقأ عينا ولا ينكى عدوا ولا يحرز صيدا وليس سببا للقتل غالبا أما الرصاص المستعمل الآن في سلاح الصيد فجائز شرعا على الصحيح.
المتردية: هي ما سقطت من مكان عال كجبال، أو هوت في بئر بسبب ذلك هي كالميتة لا يحل أكلها بدون تذكية، ويجوز عقرها في أى مكان للضرورة فتحل.
النطيحة: وهي ما نطحتها بهيمة أخرى فماتت، وهي حرام كالميتة.
ما أكل السبع: وهي ما قتلت بافتراس حيوان كالسبع والذئب والنمر مثلا، والمراد ما بقي منها بعد السبع لا ما أكلت كلها، وكانوا في الجاهلية يأكلون ما بقي من السباع والوحوش.
إلا ما ذكيتم: أى: إلا ما أدركتموه حيا مما سبق فذكيتموه من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، وما أكل السبع جزءا منه، وما أهل لغير الله به. فإذا كانت فيه حياة ولو بسيطة بأن يطرف عينا أو يضرب برجل أو يد ثم ذكيتموه ذكاة شرعية صار حلالا، وإلا فلا.
أما الميتة والدم ولحم الخنزير فلا تحل أصلا ذكيت أم لا.
ما ذبح على النصب: وهو آخر المحرمات العشر، والنصب: حجارة حول الكعبة، قيل: كان عددها ثلاثمائة وستون حجرا، وكان أهل الجاهلية يذبحون عليها تقربا للأصنام، وهو نوع مما ذكر عليه اسم غير الله فحرم أكله لهذا.
وقد أضاف القرآن الكريم إلى محرمات الطعام التي كان الجاهليون يستحلونها خرافة أخرى كانوا يعملونها وهي:
الاستقسام بالأزلام: أى معرفة ما قسم له بواسطة الأزلام وكانت ثلاثة أنواع في الجاهلية، نوع كان مع الشخص وعدده ثلاثة مكتوب على واحد (افعل) والثاني (لا تفعل) والثالث غفل.
النوع الثاني سبعة قداح، واحدها قدح، وكانت عند هبل في جوف الكعبة، مكتوب عليها ما يدور بين الناس من النوازل.
النوع الثالث قداح الميسر، وعددها عشرة، سبعة منها فيها حظوظ وثلاثة غفل
…
إلخ، ما هو معروف.
أى: حرم عليكم معرفة ما قسم لكم بالأزلام، والحكمة في هذا أنه من الخرافات والأوهام التي تعوق نشاط الفرد والأمة ومدعاة للكسل والسير على غير بصيرة وهدى، على أنها تجعل الناس ألعوبة في يد الكهان، والإسلام برىء من هذا كله.
وفي هذه الأيام شاعت معرفة الحظ والاستقسام بأوراق (الكوتشينة) و (الودع) و (الفنجان) وهذا كله منكر شرعا لا يليق بعقل المسلم.
على أن معرفة الحظ والنصيب بواسطة المسبحة أو المصحف شيء لا يعرفه الشرع ولا القرآن.
والاستخارة الواردة شرعا: أن يصلى الإنسان ركعتين نفلا للاستخارة ثم يدعو الله بدعاء يشرح به صدره لما يريده إن كان خيرا له في دينه ودنياه، وللنبي صلى الله عليه وسلم دعاء في الاستخارة موجود في كتب الحديث.
كل المحرمات التي ذكرت لكم فسق وخروج عن الدين والمألوف من الحكمة والعقل.
اليوم وهو يوم عرفة في حجة الوداع يئس الكفار من التغلب على دينكم ويئس الشيطان من أن يعبد غير الله في أرضكم، وعلى ذلك فلا تخشوا أحدا إلا الله، ولا يهمنكم أمر الكافرين فقد عصمكم الله منهم، واخشوا الله واتقوه ولا تخالفوه في شيء أبدا.
اليوم أكملت لكم دينكم بإحلال الحلال وتحريم الحرام حتى صار كل شيء بينا واضحا لا لبس فيه ولا غموض، وكفيتكم أمر عدوكم وجعلت اليد العليا لكم، وأتممت عليكم نعمتي فلم يحج معكم مشرك أبدا، وقد تحقق الوعد، وفتحت مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وجاءكم النصر ورضيت لكم الإسلام دينا، واخترته لكم وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ «1» .
كل ما ذكر من المحرمات العشر حرام على المسلمين جميعا إلا المضطر الذي حمل قهرا على تناول ما يضره كأن يكون في مخمصة تخمص لها البطون، أى: تضمر، فمن اضطر إلى أكل شيء مما ذكر من المحرمات بشرط أن يكون غير مائل إليه لذاته ولا جائر فيه ولا متجاوز قدر الضرورة، فإن الله غفور له ولمثله رحيم بخلقه.
(1) سورة آل عمران آية 85.