الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
حُرُمٌ: جمع حرام. كَافَّةً أى: مجتمعين. النَّسِيءُ: من نسأ الشيء وأنسأه، أى: أخره، والنسيء كالمسنوء، أى: المؤخر.
لِيُواطِؤُا المواطأة: الموافقة.
عود للكلام على المشركين بعد أن أنهى الكلام على أهل الكتاب من اليهود والنصارى.
المعنى:
إن عدة الشهور عند الله أى: في حكمه اثنا عشر شهرا، فيما كتبه الله وأثبته من نظام للكون، وتقدير لمنازل القمر والشمس، كتبه يوم خلق السموات والأرض، والمراد الأشهر القمرية لا غيرها، فإن الحساب بها يسير، وتتوقف على الهلال، وهو يرى لكل إنسان متعلم وغير متعلم، بدوي أو حضرى.
منها أربعة حرم كتب الله وفرض احترامها وتحريم القتال فيها على لسان إبراهيم وإسماعيل. وتناقلت العرب ذلك قولا وعملا، وفي زمن الجاهلية الجهلاء غيرت العرب في ذلك وبدلت تبعا لأهوائها كما سيأتى
والأشهر الحرم كما وردت في الحديث هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى الثانية وشعبان.
وحرم القتال فيها لأنها زمن الحج فيأمن الناس في أسفارهم وغربتهم على أنفسهم وأموالهم، ولا شك أن الحج يبتدئ غالبا من ذي القعدة إلى آخر المحرم. وكان رجب في وسط العام هدنة للراحة والاستجمام ولتسهيل العمرة فيه، ذلك الدين القيم، ذلك
الشرع الصحيح المستقيم الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل في عدة الشهور، وتحريم الأربعة الحرم، فلا تظلموا فيهن أنفسكم بفعل أى محرم ومحظور، ويدخل في ذلك انتهاك حرمة الأشهر الحرم بالقتال فيها، أو الحرم بالقتال فيها في كل وقت، يدخل هذا وذلك في الظلم دخولا أوليا، وقاتلوا المشركين جميعا على قلب رجل واحد كل في دائرة اختصاصه كما يقاتلونكم كذلك، واعلموا أن الله مع المتقين للظلم والعدوان والفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل.
كانت العرب تحرم القتال في الأشهر الحرم وقد ورثت ذلك عن أبيها إبراهيم وإسماعيل، ولما طال عليهم الأمد وقست قلوبهم بدلوا في المناسك وفي تحريم الأشهر الحرم، ولا سيما شهر المحرم منها، فكانوا ينسئون تحريمه، أى: يؤجلون تحريمه إلى صفر فتبقى الأشهر أربعة ليوافقوا عدد ما حرمه الله. وفي ذلك مخالفة للنص ولحكمة التحريم لأجل الحج.
وفي كتب التاريخ أنه كان يقوم رجل منهم كبير (يقال له القلمس) فيقول في (منى) : أنا الذي لا يرد لي قضاء، فيقولون: صدقت فأخر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر فيحل لهم المحرم، ويحرم عليهم صفرا، ثم صاروا ينسئون غير المحرم.
إنما النسيء، أى: التأخير في الأشهر الحرم كما ورد عنهم، زيادة في الكفر إذ هم غيروا به ملة إبراهيم بسوء التأويل فكان زيادة على أصل كفرهم وشركهم بالله تعالى، فإن تشريع الحلال والحرام لله وحده وإنهم بالنسيء يضلون به سائر الكفار الذين يتبعون فيه حيث يوهمونهم أنهم على ملة إبراهيم وأنهم لم يزيدوا ولم ينقصوا في الأشهر الحرم، زين لهم الشيطان سوء أعمالهم بهذه الشبهة الباطلة.
والله لا يهدى القوم الكافرين أبدا إلى خير أو صواب، خصوصا في أمور الدين،
روى الشيخان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض» «1»
بمعنى أنه عاد حساب الشهور ونظامها إلى ما كان عليه من أول نظام الخلق بعد أن كان قد تغير في حساب العرب بسبب النسيء في الأشهر.
(1) أخرجه البخاري في التفسير 4662.