الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
بِكَلِمَةٍ مِنْهُ المراد بها: عيسى ابن مريم- عليه السلام. وَجِيهاً: ذا وجاهة وكرامة في الدارين. كَهْلًا: الرجل التام السوىّ. قَضى: أراد شيئا. الْحِكْمَةَ: العلم النافع. الْأَكْمَهَ: من ولد أعمى.
هذا شروع في قصة عيسى بعد قصة أمه وقصة زكريا ويحيى أقاربه.
المعنى:
واذكر يا محمد لقومك وقت أن قالت الملائكة (والمراد بهم جبريل) : إن الله يبشرك يا مريم بعيسى، وعبر عنه (بكلمة منه) إيذانا بأنه خلق خلقا غير عادى استحقّ أن يوصف وحده بقوله:(كلمة منه) وإن كان في الواقع أن جميع الكائنات بكلمة الله إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.
اسمه المسيح الذي جاء فرفع الظلم وأنار لقومه الطريق وحملهم على الأخوة الصادقة وكانت مملكته روحانية لا جسدية، والمسيح لقب لعيسى ابن مريم من ألقاب المدح وإنما وصف عيسى بابن مريم مع أن الخطاب معها تسجيلا لوصفه بهذا في كل وقت وزمان وردّا على من ألّهه من أول الأمر، ولبيان أنه ولو كان من غير أب فهو منسوب لها تكريما وبيانا لمكانتها وهو ذو وجاهة في الدنيا عند أتباعه والمؤمنين به، وفي الآخرة عند الله من النبيين أولى العزم والرسل المقربين.
ومن أوصافه أنه يكلم الناس في المهد رضيعا حتى يدافع عن أمه وعند تمام رجولته وكلامه تام موزون موفق في كل حال وهو من الصالحين الذين أنعم الله عليهم وأصلح حالهم.
ولما بشر الله مريم بعيسى الفذ في تكوينه وخلقته الموصوف بما ذكر قالت مريم مستفهمة: أيكون هذا عن طريق الزواج أم لا؟ ويجوز أنها تكون سألت متعجبة مستعظمة قدرة الله القادر على كل شيء كيف يكون لي ولد وأنا لم أتزوج؟
قال تعالى: مثل ذلك الخلق البديع يخلق الله ما يشاء وقد خلق الخلق كما ترى وخلق السماء والأرض وخلق أبانا آدم من تراب بلا أب ولا أم ثم قال له كن فيكون.
وانظر إلى بلاغة القرآن حيث عبر في جانب زكريا كذلك يفعل الله ما يشاء، وهنا كذلك يخلق الله ما يشاء للإشارة إلى أن إيجاد ولد من شيخين عجوزين ليس كإيجاد ولد من أم فقط بلا أب فكان الخلق والإبداع أنسب بعيسى من يحيى.
ولذلك عقبه ببيان كيفية الخلق فقال: وإذا أراد أمرا من الأمور قال له كن فيكون والمراد بالأمر هنا الأمر التكويني لا الأمر التكليفي كما في قوله- تعالى- أقيموا الصلاة، مثلا.
وهذا تمثيل لعظمة الله ونفاذ أمره وسرعة إنجازه ما يريد حيث شبه حدوث ما يريد عند تعلق إرادته به حالا بطاعة المأمور القادر على الفعل للأمر المطاع، ومما يشبه هذا قوله تعالى ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ أى: أراد أن يكون فكانتا.
وما لنا ننكر أن يكون عيسى من غير أب وقد خلق الله آدم من غير أب وأم؟! إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وقد خلق الله السماء والأرض بل وجميع المخلوقات في الأصل ابتداء من غير تلقيح فالأسباب الظاهرة ليست واجبة وجوبا عقليا مطردا، ونحن نرى كل يوم خوارق للعادات وفلتات للطبيعة فنحار في تعليلها.
وإذا كان الأمر كذلك امتنع على العاقل أن ينكر شيئا ويعده مستحيلا عادة ويذهب في تأويله المذاهب.
ومن أوصاف عيسى أن الله يعلمه الكتابة بالخط والعلم النافع والتوراة وقد كان عيسى عالما بها واقفا على أسرارها ويقيم الحجج على قومه بنصوصها، وقد علمه الله وأنزل عليه الإنجيل.
وكذلك يرسله رسولا إلى بنى إسرائيل كافة ناطقا ومحتجا على صدق رسالته بأنى أخلق- بمعنى أقدر وأصور لا أنشئ وأخترع- من الطين هيئة كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأمره لا بإذنى وأمرى فأنا مخلوق لا أقدر على هذا، وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله، وقد أنكروا عليه ذلك فقال لهم: وأخبركم بما تأكلون في بيوتكم وما تدخرون وتحفظون وهكذا مما لا سبيل إلى إنكاره.
إن في ذلك لآية لكم على صدقى وصدق رسالتي إن كنتم مؤمنين بالله مصدقين بقدرته الكاملة على كل شيء.
وقد أرسل عيسى ابن مريم مصدقا لما تقدمه من التوراة ولم يأت ناسخا لها بل متفقا معها في الأصول العامة في الدين كالتوحيد والبعث
…
إلخ.
وإن يكن أرسل ليحل لكم بعض ما حرم عليكم بسبب ظلمكم وعنادكم يا بنى إسرائيل فقد حرم عليهم بعض الطيبات كالسمك والشحم فأحلها عيسى- عليه السلام وجئتكم بآية من ربكم.
فاتقوا الله وخافوه وأطيعونى إن الله ربي وربكم فاعبدوه.
ترى أنه أمرهم بالتقوى والطاعة فيما جاء به عن ربه وختم ذلك بالتوحيد والاعتراف