الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ أى: قلة وما ذاك إلا أن جيوش المسلمين قلتها متمسكة بدينها مطيعة لرسولها وقائدها لم يكن لهم اعتماد إلا على الله وحده وما أمرهم به من الثبات عند لقاء العدو إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ لم يتعد واحد حدوده، قد ملأ الإيمان قلوبهم وخلا النفاق منها، وعلى العموم كانوا يدا واحدة صبها الله على عدوهم،
ودعا النبي صلى الله عليه وسلم فيها دعاءه المشهور:
«اللهم أنجز ما وعدتني. اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض» .
قال راوي الحديث: فما زال يستغيث بربه ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فرده ثم التزمه من ورائه إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ (الآية) .
غزوة أحد
كانت في السنة الثالثة للهجرة بعد غزوة بدر التي انتصر فيها المسلمون وهم قلة، وذلك أن قريشا حينما عادت إلى مكة بعد غزوة بدر أجمعوا أمرهم، وأنفقوا الكثير من أموالهم ليصدوا عن سبيل الله وجهزوا جيشا عدته ثلاثة آلاف مقاتل يقصدون النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة.
ولما وصل خبرهم إلى المدينة استشار محمد صلى الله عليه وسلم القائد والسياسى الموفق أصحابه، فأما الشيوخ ومعهم عبد الله بن أبىّ زعيم المنافقين ورأس اليهود في المدينة، فقالوا: نبقى في المدينة ونحصنها ونقاتلهم في الأزقة والدروب، وترمى النساء والولدان من على الآكام والبيوت.
وأما الشباب ومن لم يكن له شرف القتال في بدر، فأشاروا بالحرب وقالوا: هذه فرصة، وكان عمرو بن عبد المطلب يرى هذا الرأى أما النبي صلى الله عليه وسلم فكان يميل إلى رأى الشيوخ، وقد رأى في المنام أنه في درع حصينة وأن سيفه ذا العقال انكسرت ظبته (حده) وأنه رأى بقرة تذبح وأن معه كبشا، وقد أول الرؤيا: الحصن: المدينة، كسر السيف، موت عزيز لديه من أهل بيته، ذبح البقرة: قتل بعض أصحابه، الكبش: للفتك بزعيم من زعماء الشرك، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رجع لرأى الأغلبية القائلين بالحرب والساعين إليه فلبس وتجهز، وما قبل الرجوع بعد هذا
كان هذا عصر الجمعة لست مضت من شوال وبات ليلتها، وفي سحر السبت خرج مع الجيش، وفي الطريق رجع عبد الله بن أبىّ متعللا بقوله: أيعصيني ويطيع الولدان لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ ومعه ثلاثمائة من أصحابه.
وهم بنو سلمة وبنو حارثة من الأنصار وكادوا ألا يخرجوا إلى أحد، ثم وفقهم الله فخرجوا، وذلك قوله تعالى: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا (الآية) .
فلم يبق بعد رجوع المنافقين مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا سبعمائة رجل.
وذكر له قوم من الأنصار أن يستعينوا بحلفائهم من اليهود فأبى.
وصفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فجعل الرماة خمسين رجلا عليهم عبد الله بن جبير، وعلى أحد الجناحين الزبير بن العوام وعلى الآخر المنذر بن عمر. وجعل أحدا خلف ظهره واستقبل المدينة وكان اللواء مع مصعب بن عمير فتقدم به بين يدي رسول الله.
وأما المشركون فجعلوا على المينة خالد بن الوليد القائد المشهور وعلى الميسرة عكرمة بن أبى جهل ومعهم مائتا فارس على رأسهم صفوان بن أمية، وعلى رماتهم وكانوا مائة عبد الله بن أبى ربيعة، ولواؤهم مع طلحة بن أبى طلحة من بنى عبد الدار.
وكان مع المشركين نساء بزعامة هند بنت عتبة، يضربن بالدفوف ويمشين وراء الصفوف وأمامها قائلات:
نحن بنات طارق
…
نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعانق
…
ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق
…
فراق غير وامق
وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرماة
فقال لهم: احموا ظهورنا فإنا نخاف أن نؤتى من ورائنا، وإياكم أن تبرحوا مكانكم سواء قتلناهم أو قتلونا فلا تعينونا ولا تدافعوا عنا، اللهم فاشهد.
وقد خطب المسلمين خطبة طويلة حثهم فيها على الصبر والتقوى!! وقامت الحرب وما لبث أن دارت دائرة الحرب وانهزم المشركون وسقط لواؤهم من يد طلحة بعد قتله فحمله ابنه ثم أخوه وهكذا أخذ المسلمون يفتكون بالمشركين!!
وكاد النصر يتم للمسلمين نهائيا لولا أن الرماة الحارسين لظهور المسلمين خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم وآثروا الفانية على الباقية وانحدروا يجمعون الغنائم والأسلاب وتنازعوا في ذلك ولم يبق منهم إلا قليل.
فتنبه خالد بن الوليد ومن معه وانقضوا على المسلمين كالصاعقة وأشرعوا سيوفهم ورماحهم، ودارت الدائرة على المسلمين وانفرط عقدهم وسمع مناد ينادى: إن محمدا قد قتل، فأسرع المشركون واهتبلوا تلك الفرصة واختلط الأمر على المسلمين حتى صار يضرب بعضهم بعضا وولوا هاربين في الجبل، والرسول يدعوهم في أخراهم
ويقول: «إلىّ عباد الله إلىّ عباد الله أنا رسول الله» .
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ وصار أبو سفيان يقول: يا معشر قريش أيكم قتل محمدا؟ فقال عمر بن قميئة: أنا قتلته.
وقد نجى الله رسوله، وكان النبل يأتيه من كل جانب، ولكن الله يعصمه من الناس، وكان أول من بشر بنجاته كعب بن مالك.
وقد أصيب رسول الله يوم أحد فكسرت رباعيته وشج وجهه حتى غاب حلق المغفر في وجنتيه وأصيبت ركبتاه.
وكان سالم مولى أبى حذيفة- رضى الله عنه- يغسل الدم عن وجه الرسول وهو يقول صلى الله عليه وسلم: «كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم؟ وهو يدعوهم إلى الله- عز وجل؟» فنزل: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ.
ورأى صلى الله عليه وسلم سيف علىّ مختضبا فقال: إن كنت أحسنت القتال فقد أحسن عاصم ابن ثابت والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وسيف أبى دجانة غير مذموم: ولا تنس الحباب بن المنذر وشماس بن عثمان وغيرهم ممن أبلوا بلاء حسنا.
ولم يقتل صلى الله عليه وسلم في حياته سوى أبىّ بن خلف أحد الذين تعاقدوا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه نزلت آية: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى. [سورة الأنفال آية 17] .
وفيها قتل من المسلمين سبعون منهم حمزة سيد الشهداء وحبيب رسول الله، وقد بكى عليه النبي صلى الله عليه وسلم مرارا.