الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحلال الطيب بلا إسراف ولا تقتير، وكانوا يستطيبون الخمر والميسر ناسب أن يتعرض القرآن لبيان حقيقتهما.
روى أن عمر كان يدعو الله تعالى قائلا: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فلما نزلت آية البقرة ظل على دعائه، ولما نزلت آية النساء ظل كذلك على دعائه، فلما نزلت آية المائدة، وسمع قوله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ قال: انتهينا! وكانت هذه الآية هي الفاصلة القاضية.
روى أن عمر قال حين سمع إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ الآية: أقرنت بالميسر والأنصاب والأزلام؟ بعدا لك وسحقا!!! وتركها الناس وأراقوها في الطرقات.
وروى عن ابن عباس قال: إنما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا، وثملوا، واعتدى بعضهم على بعض، فلما صحوا جعل يرى الرجل منهم الأثر بوجهه ولحيته، فيقول: صنع بي أخى فلان هذا، ولو كان رءوفا بي ورحيما ما صنع هذا!!! وقد وقعت بينهم ضغائن فأنزل الله هذه الآية إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ فقال ناس: هي رجس وهي في بطن فلان كحمزة مثلا وقد قتل يوم أحد، وفي بطن فلان وقد قتل يوم بدر، فأنزل الله لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ الآية.
ولعلك تسأل ما الحكمة من تحريم الخمر تدريجياّ؟؟ وما علمت أنها الحكمة العالية والدواء الناجع لهذا الداء المتأصل، الذي أدمنت العرب على شربه، فلو حرمت الخمر دفعة واحدة لكان ذلك أدعى لتنفير الناس من الدين كله.
المعنى:
يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله: اعلموا أن هذا الوصف يوجب عليكم الامتثال لأمر الله والتزام حدود الشرع، واعلموا أنما الخمر وهي: ما خامر العقل، أى: ستره فأسكره رجس من عمل الشيطان وصنعه، وهو عدوكم اللدود، الذي لا يعمل إلا للشر ولا يزيّن إلا للهلاك!!! ولقد خطب عمر بن الخطاب يوما على منبر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: «قد نزل تحريم
الخمر يوم نزل وهي من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر:
ما خامر العقل» ، وهذا أبين بيان في حقيقة الخمر، يخطب عمر بالمدينة على مرأى ومسمع من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أهل اللسان والبيان، وأعلم الناس بلغة القرآن، فلا ينكر أحد عليه ولا يستفسر أحد عن نوع دون نوع!!! ولا تنس
قوله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر خمر وكل خمر حرام»
فإن كل مادة مغيبة للعقل مهلكة للصحة فهي خمر وإن تعددت الأسماء، وإذا ثبت هذا بطل رأى القائلين بأن الخمر لا تكون إلا من العنب وما كان من غيره لا يسمى خمرا.
والنبيذ قديما: عبارة عن تمر أو زبيب ينقع في ماء حتى يحلو الماء فيشرب، وهذا حلال حيث لم يختمر ولم يسكر، وأقرب الأشياء به ما يسمى بالخشاف في مصر، أما النبيذ المستعمل الآن فخمر وحرام ومسكر
…
وفي آية 219 من سورة البقرة بيان واضح متمم لما هنا.
إنما الخمر والميسر والأنصاب المنصوبة من حجارة حول الكعبة وكانوا يعظمونها والأزلام وكانوا يستقسمون بها إنما ذلك رجس وقذارة!! وأى رجس أكبر من هذا؟
فالخمر والميسر مستقذران حسا ومعنى، من ناحية الشرع والعقل، وهما من عمل الشيطان وصنعه، فاجتنبوا هذا الرجس واتركوه، واجعلوه في جانب وأنتم في جانب، رجاء أن تفلحوا وتفوزوا بما فرض عليكم من تزكية أنفسكم وسلامة أبدانكم إذ هما من أخطر الأمراض اجتماعيا ودينياّ واقتصادياّ.
أما الخطر الاجتماعى فالشيطان يريد لكم- بشرب الخمر ولعب الميسر- أن تقع بينكم العداوة والبغضاء فيقضى على جماعتكم، ويشتت شملكم ويهدم كيانكم، والإسلام حريص جدّا على أخوتكم واتحادكم وتضامنكم وإزالة أسباب الشقاق والنزاع فيما بينكم.
والشواهد على هذا كثيرة واضحة، ولا غرابة فالخمر تذهب العقل الواعي وتستره، وهو الذي يدرك قواعد العرف والدين التي تمنعنا عن الشر والوقوع فيه، فإذا ضاع واستتر، ظهر الإنسان بشهواته وطبيعته الحيوانية يأتى الدنية، ويقوم بأحط الأعمال وأقذرها!!
والميسر وما فيه من ربح وخسارة، بلا عمل وتجارة، مثار العداوة والبغضاء في نفوس اللاعبين.
أما ضياع الشخصية وفناء الشباب وهلاك الصحة، والانغماس في تيار الرذيلة فشيء لا ينكره عاقل، ولا يحتاج إلى نص.
وأما الناحية المالية فحدث عنها ولا حرج، فكم من بيوت هدمت وكم من أموال بددت، على الموائد الخضراء والحمراء في الليل والنهار؟؟
وأما الخطر الديني وما أدراك ما هو؟!! فهما يصدان عن ذكر الله، الذي يجلو القلوب ويزكيها، ويطهر النفوس ويهديها، وهما يمنعان من الصلاة التي هي عماد الدين إذ السكران لا عقل له ولا قلب فكيف يهتدى إلى الخير وإلى الصلاة؟؟ ولاعب الميسر يجلس الساعة والساعات بل يواصل ليله ونهاره ولا يدرى ما حوله ولا يشعر بنفسه، قد نسى بيته وأهله وولده، وإنه ليقضى الوقت بين الأوراق والنار تشتعل في بيته فلا يغيث أهله مع الناس فكيف يفكر في الصلاة؟ على أنه إذا صلّى بلا روح وبلا قلب.
فهل أنتم يا من اتصفتم بوصف الإيمان وتحليتم به منتهون بعد هذا البيان اللاذع والقول الفاضح؟! وهذا أمر بالانتهاء جاء على أسلوب بليغ جدّا يدركه من يقف على أسرار بلاغة القرآن.
وكيف لا يكون هذا شأن الخمر والميسر؟ وقد نفر الله منهما، وأكد تحريمهما بوجوه من التأكيد أهمها.
سماهما رجسا من عمل الشيطان (الخمر أم الخبائث) بل قصرهما على الرجس لا يتعديانه إلى غيره، وقرنهما بالأنصاب والأزلام، وأنت تعرف أنهما من أعمال الشرك وخرافات الوثنية (مدمن الخمر كعابد الوثن) .
وعلق الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة على اجتنابهما.
وجعلهما مثار العداوة والبغضاء، ومبعث الشقاق والشحناء.