الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ توفى الشيء: أخذه وافيا تامّا، وتوفى الملائكة الناس: قبض أرواحهم حين الموت. سَبِيلًا طريقا يوصلهم. مُراغَماً الرغم: الذل والهوان. وأصله لصوق الأنف بالرغام، أى: التراب، والمراد: مكانا للهجرة ومأوى يصيب فيه الخير فيرغم بذلك أنوفهم. وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ أى: وجب، ألا ترى إلى قوله تعالى: وَجَبَتْ جُنُوبُها أى: وقعت جنوبها على الأرض.
نزلت في قوم أسلموا بمكة، وتركوا الهجرة ثم ماتوا. وقيل: ماتوا في غزوة بدر وكانوا يحاربون في صفوف الكفار على كره منهم فقتلوا.
المعنى:
لما اشتد إيذاء الكفار للمسلمين في أول الأمر وهاجر بعضهم إلى الحبشة ثم هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وولدت الدولة الإسلامية. في هذا الوقت كانت الهجرة واجبة وكان بعض المسلمين قد هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدخر وسعا في ذلك. وبعضهم قعد عنها حبّا في وطنه وإيثارا للدنيا وعرضها، ومنهم من كان ضعيفا لا يقدر عليها لمرض أو كبر أو جهل بالطريق، ومنهم من هاجر ومات في الطريق.
إن الذين قبضت أرواحهم الملائكة وهم في دار الشرك حالة كونهم ظالمي أنفسهم برضاهم الإقامة في دار الشرك وإيثارهم الدنيا وعرضها على نصرة الحق، والهجرة مع رسول الله، وبقبولهم الظلم والتضييق عليهم في عدم إقامتهم الشعائر الدينية. هؤلاء قالت لهم الملائكة توبيخا لهم وتأنيبا: في أى شيء كنتم من أمور دينكم؟ فإنهم تركوا الهجرة التي كانت طريق نصرة الإسلام في مهده وهم قادرون عليها قالوا معتذرين بغير
العذر الحقيقي: كنا مستضعفين ومستذلين في مكة، فلم نقدر على إقامة الدين وواجباته، وهذه حجة واهية، ولذا قالت لهم الملائكة: ألم تكن أرض الله التي يمكنكم فيها القيام بواجبات الدين والهجرة مع الرسول بدون تعرض لكم، ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟؟ نعم هي واسعة ولكنكم رضيتم بالذل، وآثرتم الدنيا على نصرة الحق. فأولئك جزاؤهم جهنم وبئس المصير مصيرهم.
وفي هذا إشارة إلى أنه يجب على المسلم أن يفر بدينه إلى حيث يمكنه أن يقيم حدوده وواجباته حسبما أمر الله، وقد استثنى الله من هؤلاء صنفا وهم المستضعفون حقيقة الذين لهم عذر مقبول كالشيوخ الضعفاء، والعجزة من النساء والولدان الذين لا يستطيعون الهجرة، وقد ضاقت بهم الحيل، وعميت عليهم الطرق فلا يهتدون إلى سبيل منها، مثل عياش بن ربيعة. ومسلمة بن هشام، وأم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عباس، وغيرهم، على أن المراد بالولدان المراهقون لا الصبيان، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، ولا يؤاخذهم بالإقامة في دار الشرك وترك الهجرة، وفي هذا إشارة إلى أن ترك الهجرة ذنب كبير، وكان الله كثير العفو عن الذنوب غفورا لأصحابها.
وأما المهاجرون في سبيل الله وإن كان بهم ضعف فمن يهاجر منهم يجد في الأرض مكانا للهجرة، ومأوى يسلكه، فيه الخير والسعة والرزق والعزة، وهذا ترغيب في الهجرة، ووعد صريح لمن يخشى ترك المال والأهل ومشقة السفر والبعد عن الديار بأنه سيجد ما يغنيه ويرغم به أعداءه متى كانت هجرته خالصة لوجه الله!! ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت قبل الوصول إلى المدينة، فقد ثبت أجره على الله، والله هو الذي أوجب هذا تفضلا وإحسانا
روى أنها نزلت في جندب بن ضمرة وكان قد بلغه قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ (الآية)، فقال لأولاده: احملوني إلى المدينة فلن أبيت بمكة الليلة، فحملوه ومات بالطريق فنزلت هذه الآية.
وما أعظم الفرق بين هذا الوعد المؤكد الذي لا يعلم كنهه إلا هو وبين الوعد بالمغفرة لمن ترك الهجرة لضعفه.