الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
غَدَوْتَ: خرجت في الغداة، وهي ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس.
تُبَوِّئُ: تهيء وتعد. مَقاعِدَ: أماكن وأنظمة للقتال. هَمَّتْ الهمّ:
حديث النفس واتجاهها إلى الشيء. أَنْ تَفْشَلا: تجبنا وتضعفا. أَذِلَّةٌ: قلة في العدد والعدد. يَكْفِيَكُمْ الكفاية: مرتبة دون الغنى وهي سد الحاجة.
يُمِدَّكُمْ الإمداد: إعطاء الشيء حالا بعد حال. بَلى: كلمة جواب كنعم إلا أنها لا تقع إلا بعد نفى، وتفيد إثبات ما بعدها. فوركم الفور: الحال السريعة. مُسَوِّمِينَ: معلمين. يَكْبِتَهُمْ من الكبت: وهو شدة الغيظ.
المعنى:
واذكر يا محمد وقت أن خرجت غدوة السبت لسبع خلون من شوال تبوئ المؤمنين وتنزلهم أماكن خاصة للقتال: فهؤلاء في موضع الرماة، وهؤلاء في الميمنة، وهؤلاء في الميسرة، وهكذا.
والله سميع لكل قول عليم بكل نية وفعل فهو العليم بما دار حينما شاورت الناس وهل كان رأى البعض عن إخلاص ونفاق أو لا؟
واذكر إذ همت طائفتان من الأنصار هم بنو سلمة من الأوس وبنو حارثة من الخزرج لما رأوا انخذال عبد الله بن أبى بن سلول حدثتهم أنفسهم بالفرار ولكن الله عصمهم من الذلة ومنعهم من الجبن والفشل، وكيف لا والله وليهم ومتولى أمورهم؟
…
وعلى الله فليتوكل المؤمنون وليعتمدوا عليه لا على حولهم وقوتهم، وليس هذا يمنع من الأخذ
بالأسباب وإعداد العدة وتجهيز الجيوش بالسلاح والعدد الملائمة لكل عصر، ومع التوكل على الله.
ولذلك ذكرهم الله بغزوة بدر حيث نصرهم على عدوهم لما كانوا متوكلين عليه ممتثلين أمره وأمر رسوله، ولقد نصركم الله ببدر وأنتم قلة إذ كنتم ثلاثمائة، والكفار ألف مقاتل، فلا عدد معكم ولا عدد، وهذا معنى الذلة.
فاتقوا الله بالثبات مع رسوله والصبر والوقوف عند أمره، فإن هذا عدة الشكر والشكر سبب النعم والنصر.
واذكر يا محمد وقت قولك للمؤمنين يوم أحد- وقد رأوا العدو يفوقهم وانخذل عنهم عبد الله بن أبىّ وأصحابه-: ألن يكفيكم إمداد الله لكم بثلاثة آلاف من الملائكة؟؟ بلى يكفيكم الإمداد بهذا، ومع ذلك إن تصبروا على الغنائم وشدة الجهاد ونزال العدو وتتقوا الله وتطيعوا أمر نبيكم ولا تتنازعوا ولا تختلفوا على الغنائم ويأتيكم المشركون من ساعتهم هذه بسرعة، نعم إن حصل هذا وهو الصبر والتقوى بمعانيهما، وإتيان العدو بسرعة يعجل الله نصركم وييسر أمركم ويمدكم بخمسة آلاف من الملائكة مرسلين فاتكين بالعدو وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً.
الظاهر- والله أعلم- أن الله أمد المؤمنين يوم بدر بالملائكة لقوله- تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [سورة الأنفال الآية 9] .
وأما في غزوة أحد فقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين أن الله سيمدهم بثلاثة آلاف بل بخمسة آلاف إن صبروا واتقوا
…
ولم يتحقق الشرط وخالفوا النبي، ولو أمدهم لهزموا الكفار من فورهم.
والإمداد بالملائكة يجوز أن يكون من قبيل إمداد العسكر بما يزيد عددهم، أى:
إمداد مادى، وفي هذا روايات كثيرة، ويجوز أن يكون من قبيل الإمداد المعنوي وهذا هو الظاهر- والله أعلم- فيكون عمل الملائكة بالجيش عملا روحيا معنويا كتثبيت القلوب وتقوية النفوس وإذاعة روح الطمأنينة فيقاتل الجيش عن عقيدة، وفي جانب العدو يشيعون روح الهزيمة والانخذال ويكثرون سواد المسلمين في نظرهم.
وها هو ذا اليوم في أحدث الحروب تنفق الملايين على الدعاية وتقوية الروح المعنوية إذ لها خطرها وأثرها.
وما جعل قول النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ الآية إلا بشرى لكم يبشركم بها كي تطمئن قلوبكم ويهدأ روعكم بوعده بالنصر لكم.
وما النصر على الأعداء إلا من عند الله وحده بقطع النظر عن العدو وعدده وعدده مهما كانت فالله هو العزيز الذي لا يغالب الحكيم في كل شيء يفعله.
وليس معنى هذا ترك الأخذ بالأسباب بل الواجب أن تأخذ بها معتقدا أن الله فوق هذه الأسباب وأنه خالقها وليست مؤثرة بطبعها، فالاعتماد على الله والتوكل عليه بعد الأخذ بها، ولعل انهزام المسلمين في أحد لعدم أخذهم بالأسباب كمخالفتهم للقائد ونزاعهم وخلافهم وغزوهم بأنفسهم.
فعل الله ما فعل من نصركم يوم بدر وإمدادكم بالملائكة ليقطع ويهلك طائفة من رءوس الكفر والشرك بالقتل والأسر أو يكبتهم ويغيظهم ويخزيهم فينقلبوا خائبين غير ظافرين وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً»
أو يتوب عليهم إن أسلموا ورجعوا إلى الله، أو يعذبهم إن أصروا على الكفر والشقاق فإنهم ظالمون لأنفسهم.
وأما أنت يا محمد فليس لك من الأمر شيء «2» إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب فلا تبتئس ولا تتألم منهم وتدعو عليهم بقولك «كيف يفلح قوم فعلوا بنبيهم هذا» ! لا تفعل هذا فربما يتوب الله على بعضهم، وقد تاب على أبى سفيان والحارث بن هشام وسهل بن عمر وصفوان بن أمية.
ثم أكد الله- سبحانه وتعالى أن الأمر بيده بقوله: ولله ملك السموات والأرض وما فيهما يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء بحكمته وعدله، وهو الغفور الذي يستر الذنوب إن أحب، الرحيم بالخلق حيث يترك العقاب بالحكمة التامة والسنن المحكمة.
(1) سورة الأحزاب آية 25.
(2)
وعلى هذا فقوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ معترض، وما بعده معطوف على ما قبله.