الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
وَلَمَّا بمعنى (لم) إلا أن مدخولها متوقع الحصول، فالمراد نفى الجهاد في الماضي وتوقعه في المستقبل. الجهاد: احتمال المشقة ومكافحة الشدائد. تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ المراد: تمنى الشهادة في سبيل الله. تَلْقَوْهُ: تشاهدوا هوله وتروا خطره. انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ انقلب على عقبيه ونكص على عقبيه: رجع وراءه، والمراد: رجعتم كفارا بعد إيمانكم.
مُؤَجَّلًا: ذا أجل، وهو المدة المضروبة للشيء. كَأَيِّنْ: كلمة تفيد الكثرة. رِبِّيُّونَ: جماعات كثيرة واحدهم ربّىّ وهو الجماعة. اسْتَكانُوا الاستكانة: الاستسلام والخضوع لأن صاحبها يستكين للخصم. إِسْرافَنا:
مجاوزة الحد في كل شيء.
الرُّعْبَ: شدة الخوف. سُلْطاناً: برهانا وحجة، ولما فيهما من القوة على دفع الباطل سمى سلطانا. مَثْوَى المثوى: المكان الذي يكون مقر الإنسان ومأواه.
يبين الله في هذه الآيات أن الثواب في الآخرة منوط بالجهاد والصبر، كما أن الفوز في الدنيا منوط بإقامة العدل وسلوك الطرق المألوفة، فسنة الله لا تختلف، وقد ذكر مع هذا عتابا لبعض من شهد أحدا.
المعنى:
لا ينبغي لكم أن تظنوا بالله الظنون وتصابوا بداء الغرور فتفهموا أن دخول الجنة لا يكون من غير جهاد في الله وصبر على البأساء والضراء وحين البأس «لا»
…
إن دخول الجنة لا يكون إلا بالجهاد الكامل لإعلاء كلمة الله ورفع راية الوطن، وإنما يكون بجهاد العدو وجهاد النفس خاصة في الشباب، وجهاد حب المال عند البذل في الأعمال العامة النافعة وغير ذلك.
وتمكن الصبر في أنفسكم تمام التمكن على أداء التكاليف وعلى الطاعة وعلى البلاء والحوادث.
ونفى العلم من الله دليل على عدم وقوع الجهاد والصبر منكم فهو أبلغ من نفى الجهاد والصبر، إذ هو كالدعوى ودليلها، شبيه بهذا قوله تعالى: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا.
روى عن الحسن أنه قال: بلغني أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: لئن لقينا مع النبي صلى الله عليه وسلم لنفعلن ولنفعلن فابتلوا بذلك، فلا والله ما كلهم صادق، فأنزل الله: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ.
نعم لقد كان كثير منكم يتمنى لو يستشهد في سبيل الله تمنيا من نفسه استحق أن يعبر عنه المولى بهذا التأكيد: وَلَقَدْ كُنْتُمْ حتى إذا جد الجد وقامت الحرب وشاهدتم بأعينكم مشاهدة كاملة وأنتم تنظرون نظرة فاحصة ليست عاجلة، توانيتم وانحزتم إلى الجبل وأصعدتم فيه لا تلوون على أحد والرسول يدعوكم فلا يجيبه أحد.
وهذا عتاب وأى عتاب؟ نعم كان مع النبي من بايعه على الموت ودافع عنه دفاعا مجيدا حتى قتل البعض ونجا البعض كما تقدم في سرد حوادث الغزوة، ومع هذا كان الخطاب عاما ليكون الإرشاد عاما فيتهم المؤمنون الصادقون أنفسهم ليزدادوا إيمانا وليرعوى المقصرون فلا يعودوا لمثلها أبدا.
في هذه الغزوة- كما قلنا سابقا- أشيع قتل النبي صلى الله عليه وسلم وكانت الإشاعة سببا في شيوع قالة السوء، حتى قال بعض المنافقين: لو كان نبيا ما قتل!! من لنا برسول إلى عبد الله بن أبىّ ليأخذ لنا الأمان عند أبى سفيان؟ وهكذا مما جعل أنس بن النضر يبرأ إلى الله من مثل هذا الكلام ويقاتل حتى يقتل دفاعا عن الدين.
وكانت هذه الإشاعة سببا في انفضاض بعض الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم فعاتبهم الله بقوله. وما محمد إلا رسول كمن سبقه من الرسل فهم قد خلوا وانتهت حياتهم بموت كموسى وعيسى، أو قتل كزكريا ويحيى، ومع هذا ظلت ديانتهم كما هي وأتباعهم متمسكون بها، فالمعقول أن تظلوا كما كنتم ولو مات أو قتل فإن الرسول بشر كسائر الأنبياء له في الدنيا مهمة تنتهي بانتهاء أجله، ومن كان يعبد الله فإن الله باق، ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات.
أفتنقلبون على أعقابكم فترتدون عن دينكم أو يطير صوابكم لو مات أو قتل مع أنه
رسول كسائر الرسل لم يدّع أنه إله، ولم يطلب لنفسه العبادة حتى إذا مات أو قتل تركتم دينه ورجعتم كفارا.
ومن ينقلب على عقبيه ويعود إلى الكفر فلن يضر الله بشيء من الضرر، وإنما يضر نفسه وأما من ثبت على دينه وجاز هذا الامتحان الدقيق فهو من المجاهدين الصابرين الشاكرين الذين سيجزيهم الله خير الجزاء، وقد كانت هذه الآية تمهيدا لموت النبي صلى الله عليه وسلم بعد أداء رسالته وقولا فصلا لأمثال عمر بن الخطاب- رضى الله عنه-.
ثم بعد ما لام القرآن المؤمنين على ما بدر منهم حينما بلغهم قتل النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لهم:
بأنه رسول كبقية الرسل، لم يطلب لنفسه العبادة، حتى إذا مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم كافرين، وإنما كان يأمركم بعبادة الله، والله حي لم يمت، ومهمته البلاغ فقط، فإذا ليس لوجوده دخل في استمرار عبادة الله.
وهنا يلومهم أيضا على أن النبي لو قتل- كما أشيع- ما كان لكم أن تفعلوا ما فعلتم.
ليس من شأن النفوس، ولا من سنة الله فيها، أن تموت بغير إذنه أو مشيئته، التي يجرى بها النظام العام في الكون، وارتباط الأسباب بالمسببات، فالله وحده هو المتصرف في كل شيء، وله الأمر فيأذن للملك يقبض الروح في الموت العادي وغيره، في الإنس والجن حتى في نفسه، الموكل بقبض الأرواح.
كتب هذا كتابا محكما مؤقتا بوقت لا يتعداه، ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [سورة النحل آية 61] وإذا كان العمر لله، وانقضاؤه بإذنه وإرادته. فكيف يصح الجبن والوهن والضعف والانخذال؟؟
ومن يرد ثواب الدنيا بجهده وعمله، وأعطاه الله شيئا من ثوابها. ومن يرد ثواب الآخرة وجزاءها أعطاه الله شيئا من ثوابها، على حسب إرادته ومشيئته في كلا الحالين، وأما أنتم يا من ضعفتم وفشلتم وتنازعتم وخالفتم أمر نبيكم وقائدكم لأجل الغنيمة، ما الذي تريدون بعملكم؟ إن كنتم تريدون الدنيا فالله لا يمنعكم من ذلك، ولكن ليس هذا طريقها، إن العمل الذي يدعوكم إليه محمد صلى الله عليه وسلم هو للدنيا والآخرة.
ولا تنس أن التعبير بقوله: يُرِدْ دليل على أن الإرادة للشخص هي التي تكيف العمل فتارة يكون خيرا وتارة يكون شرا
أما الله- سبحانه وتعالى فسيجزى الشاكرين نعمه. الواقفين عند حدوده، الثابتين مع نبيه.
وكثير من الأنبياء السابقين قاتل معهم في سبيل الله ولإعلاء كلمته، جماعات في أحرج الأوقات وأشدها، فما وهنوا ولا ضعفوا ولا خضعوا للدنيا ومتاعها، بل ظلوا كما هم لم تزعزعهم الأعاصير ثابتين، والله يحب الصابرين الذين صبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله فهو يهديهم ويرشدهم، ولا شك أن هؤلاء مبالغون في التعلق بالله- سبحانه- هذا عملهم، أما قولهم فهو: ربنا اغفر لنا ذنوبنا، واستر ما ألممنا به مما نعلمه ولا نعلمه واغفر لنا إسرافنا ومجاوزتنا أمرك، فهم مهما فعلوا من الخير يرون أنفسهم مقصرين، أو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين
…
وثبت أقدامنا على صراطك المستقيم وأمام عدوك المبين، وانصرنا على القوم الكافرين.
فآتاهم الله ثواب الدنيا والسعادة فيها بالرضا والقناعة والعزة وحسن التوكل على الله، وثواب الآخرة وهو الجزاء الأوفى، أولئك رضى الله عنهم ورضوا عنه وذلك هو الفوز العظيم.
وأنتم يا أصحاب الرسول محمد وخاتم الأنبياء والمرسلين أولى بهذا.
روى أن بعض المنافقين حينما أذيع خبر مقتل النبي صلى الله عليه وسلم قال:
من لنا برسول إلى ابن أبىّ يأخذ أمانا لنا عند أبى سفيان؟ وقال بعضهم: لو كان نبيا ما قتل، ارجعوا إلى إخوانكم ودينكم، وهذا أبو سفيان ينادى: العزى لنا ولا عزى لكم، فنزلت هذه الآيات.
وبعد ما رغب المؤمنين في الاقتداء بأنصار الأنبياء السابقين وبين جزاء هذا وحذرهم من متابعة الكفار فإن في ذلك خسارة لهم.
يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا كأبى سفيان وعبد الله بن أبى والداعين إليهما، إن تطيعوهم يردوكم كافرين كما كنتم، خاسرين في الدنيا بالذلة بعد العزة وتحكم العدو فيكم، وحرمانكم من السعادة والملك الذي وعده الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً. «1» وأما خسران الآخرة فعذاب شديد يوم القيامة.
بل الله مولاكم ولا مولى لهم، فلا يليق أن تفكروا في ولاية أبى سفيان أو غيره ولا
(1) سورة النور آية 55.