الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
وَاتْلُ: التلاوة القراءة. نَبَأَ: هو الخبر المهم. قُرْباناً: ما يتقرب به إلى الله- سبحانه وتعالى من الذبائح وغيرها. بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ: مددتها لتعتدى علىّ. تَبُوءَ: ترجع بعقاب يعادل الإثم ويساويه. يا وَيْلَتى:
يا فضيحتي احضرى، والويل: الشر، والويلة: الفضيحة والبلية.
يسوق الله هذه القصة ليبين طبائع النفوس الموروثة وما يفعله الحسد الكامن والداء الباطن، الذي يقضى على أقوى سبب وأمتن رابطة وهي الأخوة، وكيف كان السبب في أول قتيل في الأرض؟؟
فإذا لا تيأس يا محمد، ولا تعجب من فعل اليهود إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ [سورة المائدة آية 11] فهم قوم يحسدون الناس على ما آتاهم ربهم من فضله، على أن هذا طبع متأصل في أبناء آدم.
واتل يا محمد على قومك وعلى كل من تبلغه دعوتك، اتل عليهم نبأ هاما وخبرا متلبسا بالحق والصدق، لا مبالغة فيه ولا كذب كما يفعل اليهود في أخبارهم وكتبهم من التحريف والتبديل.
اتل خبر ابني آدم لصلبه- على الأصح- قيل: هما قابيل القاتل، وهابيل القتيل، وكانت عادتهم أن يتزوج ذكر البطن الأولى أنثى البطن الثانية، وبالعكس، فصادف أن قابيل معه توأم جميلة، ومع هابيل توأم دميمة رغب عنها قابيل، وطلب توأمه وحسد هابيل عليها، فلما احتكما إلى أبيهما آدم قال: كل منكم يقرب قربانا، والذي يقبله الله منه بالحريق يأخذ الجميلة، فقدم قابيل وكان زارعا قليلا من سنبل القمح، وقدم هابيل وكان راعيا للغنم كبشا سمينا، فتقبل الله من هابيل ولم يتقبل من قابيل، فحنق عليه أكثر، وقال: لأقتلنك، قال هابيل: ولم يا أخى؟ وما ذنبي في أن الله لم يتقبل منك؟
فأصلح نفسك، وقدم مخلصا لوجه الله، فإنما يتقبل الله من المتقين. يا أخى: لئن مددت إلىّ يدك بالسوء، أن تقتلني ظلما وعدوانا، ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك أبدا.
وذلك لأنى أخاف الله رب العالمين، الذي تعهدنا بالعناية والرعاية، وخلقنا على أتم خلق وأكمله، فمن يتعدى على هذا الخلق السوى فقد استحق العقاب الشديد!! يا أخى: إنى لا أريد مقابلة الجريمة بالجريمة أصلا، فإنك إن فعلتها تبوء بإثم قتلى وإثمك الخاص بك الذي كان من شأنه عدم قبول قربانك، فارجع عما أنت مقدم عليه! وكيف يريد المؤمن أن يأثم أخوه. والجواب أنه أراد ذلك حينما بسط إليه يده بالقتل فعلا وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها «1» .
إنك يا أخى إن فعلت هذا الجرم فستكون من أصحاب النار الملازمين لها، وذلك جزاء الظالمين!!! ترى أنه نفره من القتل بثلاث: الخوف من الله، أن يبوء بإثمه وإثم نفسه، كونه من أصحاب النار
…
ومن الظالمين.
والقاتل مهما كانت نفسه ملوثة بحب الانتقام والقتل يرى في الإقدام على هذا العمل جرما وفظاعة فيتردد، ولا يزال كذلك حتى تشجعه نفسه الأمارة بالسوء فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ وهدم ما بناه الله وأتقنه فأصبح من الخاسرين، وأى خسارة أكبر من هذه الخسارة في الدنيا والآخرة؟!
روى أنه لما قتله، ولم يعرف كيف يوارى جثته، وتحير في ذلك، فبعث الله غرابا يبحث في الأرض منقبا في غذائه، فحفر حفرة، فرآه قابيل ففطن إلى مثل عمله، ففعل لأخيه مثلها وواراه فيها، وقال: يا ويلتى احضرى فقد حان وقتك، أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب؟
والندم الذي حصل لم يكن على القتل بل على عجزه عن مواراة أخيه.
بسبب هذا الجرم التشنيع والفعلة القبيحة، التي فعلها أبناء آدم كتبنا على بنى إسرائيل وإنما خصهم القرآن بالذكر، وإن كان القتل محرما قبلهم في الأمم السابقة، لأن التوراة أول كتاب حرم فيه القتل كتابة بسبب طغيانهم وسفكهم الدماء وقتلهم الأنبياء بسبب الحسد الكامن في نفوسهم
…
(1) سورة الشورى آية 40.