الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المكان الأعلى، وبعضهم كان يكره الحرب ونقض العهد لما في ذلك من الاعتداء وهتك الحرمات، ولقد اتخذ المنافقون من ذلك مادة للدعاية وللتأثير على بعض المسلمين حتى كان للبعض بطانة ووليجة من الكفار، وما قصة حاطب بن أبى بلتعة ببعيدة، وكانت نقطة الضعف هي نعرة القرابة ورحمة الرحم.
وبعد أن بين الله فضل الجهاد ونتائجه والهجرة وأثرها، وحبوط أعمال المشركين حتى ما كان خيرا منها كالسقاية والعمارة، بين هنا أن ذلك كله لا يتم إلا بترك ولاية المشركين، وإيثار حب الله ورسوله والجهاد في سبيله على حب الوالد والولد والأخ والزوج والعشيرة والمال والمسكن.
المعنى:
يا أيها الذين آمنتم بالله ورسوله، واتصفتم بهذا الوصف: لا يليق بكم أن تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء تنصرونهم في القتال، وتظاهرون لأجلهم الكفار، لا تتخذوا منهم بطانة ولا وليجة تخبرونهم بالأسرار الحربية الخاصة بالجيش الإسلامى أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً [سورة التوبة آية 16] .
لا تتخذوهم أولياء ما داموا يحبون الكفر على الإيمان ويؤثرون الشرك على الإسلام ولا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذمة، ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون لأنفسهم ولجماعتهم التي ينتمون إليها، وذلك أنهم وضعوا الولاية موضع البراءة، والمودة محل العداوة.
خاطب الله المؤمنين بهذا الوصف الكامل لينهاهم عن جريمة اتخاذ الولاية للكافرين المعادين للرسول والمؤمنين، خاطبهم مباشرة (لا تتخذوا) ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخاطبهم في ما هو سببها مذكرا لهم مبينا الخطر الذي ينجم على فرض وقوعها منهم مع تصدير كلمة (إن) المفيدة للشك لأن هذا هو المنظور، إذ حب المذكورات يجب أن يكون مشكوكا فيه بالنسبة للمؤمنين، والمؤاخذة ليست على حب المذكورات بل على تفضيلها على حب الله، أما أصل الحب فشيء طبيعي جبلّىّ لا مؤاخذة فيه.
أما محبة الآباء فغريزة عند الأبناء، إذ الولد يشعر أن أباه هو سبب وجوده وأنه قطعة منه وهو مثله الأعلى، والأب هو المخلوق الذي عطف عليه ورباه، ولا تنس أن الآباء مفخرة العرب فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ «1» ومحبة الأبناء غريزة، فالولد محط الأمل، وهو قطعة من الفؤاد وفلذة من الكبد، وهو الجزء الباقي بعد الإنسان، لا يحب أن يتميز عليه إنسان إلا هو والأخ هو اليد القوية والساعد لأخيه، وابن أمه وأبيه سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ «2» وحب الزوجة شعور خاص ليس له ضريب فهو الذي يسكن إليها، وتهدأ ثورة الطبيعة عندها وقد كانت محط نظره ومحل أمله، وأما حب المال والتجارة فطبيعة عند كل إنسان، وقد كان أكثر المسلمين يشتغلون بالتجارة، وحب المسكن الذي ألفه الشخص غريزى أيضا، فهو وطنه، وأول أرض مس جسمه ترابها
…
فهذه الثمانية المحبوبة بالطبيعة جعلت بعض المسلمين يكرهون القتال كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ «3» لذلك لم يفرض إلا للضرورة القصوى.
والآية الكريمة تشير إلى إيثار حب الله ورسوله والجهاد في سبيله على كل منفعة في الأرض.
أما حب الله فيجب أن يكون هو المقدم لأنه صاحب النعم والفضل واهب الوجود والكون، خلقنا ورزقنا وأحيانا. وهو الذي أوجد الآباء والأبناء والمال والتجارة والمساكن، على أنه متصف بكل كمال ومنزه عن كل نقص.
وأما حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو دون حبه- تعالى- وفوق حب تلك الأصناف الثمانية، فهو زعيم العلماء العاملين وقدوة الهداة والراشدين، وهو المثل البشرى الأعلى والأسوة الحسنة في الخلق والأدب والفضل، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، قد جعل القرآن علامة محبة الله اتباع النبي صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [سورة آل عمران آية 31] .
وأما الجهاد في سبيل الله بأى نوع منه فدرجته لا تخفى وتفضيله على الأصناف الثمانية السابقة أمر ظاهر لا يحتاج إلى بيان: «لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها» .
(1) سورة البقرة آية 200.
(2)
سورة القصص آية 35.
(3)
سورة البقرة آية 216.