الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
فرض عليكم القتال لمن اعتدى عليكم من المشركين، وهو مكروه لكم لأنكم تخافون إن دارت رحى الحرب بينكم وبينهم أن يفتك القتل بكم، وأنتم الطائفة القليلة العدد التي تحمل لواء العدل والحق في هذه الجزيرة، وقيل في تعليل كراهيتهم للقتال:
إن الإسلام أوجد في قلوبهم رأفة ورحمة وروحانية تبغض القتل والقتال الذي دعوا إليه وهم يرجون أن يثوب الكفار إلى رشدهم، وأن يصل نور الإسلام قلوبهم بالحجة والبرهان.
فيا أيها المؤمنون لا يصح منكم أن تكرهوا الحرب والقتال لهذا السبب أو ذاك فعسى أن تكرهوا شيئا والواقع أنه خير لكم، إذ في الحرب إعلاء لكلمة الإسلام ودفع الظلم ورفع لمنارة الحق والعدل، وعسى أن تحبوا شيئا والواقع أنه شر عليكم مستطير.
فالذي فرض عليكم القتال هو العليم بالنفوس التي ختم على قلبها وعلى سمعها وعلى بصرها غشاوة، فهؤلاء لا ينفع معهم إلا الإبادة والإزالة شأن الدم الفاسد في الجسد لا ينفع معه إلا عملية الإزالة، وهذا خاص بقتال المشركين الذين فتنوهم عن دينهم وقاتلوهم، لا في قتال الكفار مطلقا.
والله يعلم وحده وأنتم لا تعلمون.
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية على رأسها عبد اللَّه بن جحش بكتاب منه: امض حتى تنزل بطن نخلة فتأتينا من أخبار قريش ما يصل إليك. وكان ذلك في جمادى الثانية وصادف أن مر بهم عمرو بن الحضرمي، والحكم بن كيسان وغيرهم مع عير تحمل تجارة لقريش، فائتمر بالعير عبد الله بن جحش ومن معه وقتلوا ابن الحضرمي وآخر وأسروا رجلين واستاقوا العير، وفي الواقع أنهم قتلوا ظنا منهم أنهم في آخر جمادى لا في أول رجب.
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: والله ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام،
وأوقف توزيع الغنيمة. وفي هذا حصل هرج ومرج، واستغل المشركون هذا الحادث في الدعاية ضد النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت الآية.
إن يسألوك عن القتال في الشهر الحرام هل هو حلال أم حرام؟ فقل لهم: نعم القتال فيه كبير الإثم والجرم، ولكن اعلموا أن صد الكفار عن سبيل الله وطريقه الموصل إلى الإسلام بما يفتنون المسلمين عن دينهم ويقتلونهم ويخرجونهم من ديارهم وأموالهم، نعم صدهم عن سبيل الله كفرهم به وصدهم عن المسجد الحرام ومنع المسلمين من الحج والعمرة وإخراج أهله منه، وهم صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
كل واحدة من هذه الجرائم التي فعلها المشركون أكبر إثما وأعظم جرما عند الله والناس من القتال في الشهر الحرام فكيف بهم وقد فعلوها كلها؟
ألم تعلموا أن الفتنة أشد من القتل؟! وما حوادث التعذيب والفتنة التي فعلوها مع عمار بن ياسر وأبيه وأخيه وأمه وغيرهم ببعيدة عن الأذهان!! هذا بعض ما كان من المشركين قبل الهجرة وبعدها، وصاروا يقاتلونهم لأجل الدين ويحرضون القبائل ضدهم وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إن مكن لهم واستطاعوا فهم يريدون ردّتكم وفتنتكم عن الإسلام، ولكن اعلموا أن من يدخل في الإسلام ثم يخرج مرتدا ويموت فهو كافر بالله وأشد من المشرك، وأولئك الموصوفون بالردة البعيدون في الضلال بطلت أعمالهم وصارت هباء منثورا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، هذا جزاء الكافرين المرتدين.
وأما جزاء المجاهدين في سبيل الله كعبد الله بن جحش وأضرابه فها هو ذا:
إن الذين آمنوا بالله ورسله وفارقوا الأهل والأوطان لإعلاء كلمة الله، ونصرة دينه ولحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وجاهدوا في الله مع ذلك حق جهاده.
أولئك المذكورون البعيدون في درجات الكمال قد فعلوا ذلك رجاء رحمة الله، فالله يكافئهم ويجازيهم أحسن الجزاء، وهو يغفر لهم بعض الزلل ويرحمهم بفضله وإحسانه وهو الغفور الرحيم.