الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى وهو بمكة متجها إلى الكعبة، ثم لما هاجر أمر بتحويل القبلة إلى صخرة بيت المقدس تألفا لليهود وقد فرحوا بذلك.
وظل النبي صلى الله عليه وسلم كذلك بضعة عشر شهرا إلا أنه كان كثيرا ما ينظر إلى السماء ويدعو الله أن يتوجه إلى قبلة أبيه إبراهيم وهي الكعبة، فأجيب إلى ذلك وأمر بالتوجه إلى البيت العتيق، وكان أول صلاة صلاها هي العصر كما في الصحيحين.
المعنى:
علم الله- سبحانه وتعالى ما سيكون عند تحويل القبلة من اضطراب بعض الناس اضطرابا قد يودى بإيمانهم، وعلم ما سيقوله سفهاء الناس فأخذ يمهد تمهيدا دقيقا لتحويل القبلة حتى لا يفاجأ المسلمون بالتحويل واضطراب الناس وإنكارهم، ولذا لقنهم الحجة، ووضح لهم الطريق ثم بعد هذا أمرهم بالتحويل.
سيقول ضعفاء العقول والإيمان من اليهود والمنافقين والمشركين: أى شيء صرف المسلمين عن قبلتهم التي كانوا ثابتين عليها؟ فقد ساء اليهود انتقال القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وأما المشركون فقصدهم الطعن في الدين وبيان أن التوجه في الحالين وقع بغير داع، وأما المنافقون فهذا شأنهم من الدين وديدنهم.
فيرد الله عليهم: قل لهم يا محمد: لله تعالى ناحيتا المشرق والمغرب، فالجهات كلها ملكه فلا اختصاص لناحية دون أخرى، ولا مزية لها، وإنما الأمر بيده يختار ما يشاء، فأينما تولوا فثم وجه الله لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يهدى من يشاء إلى الصراط المستقيم، ولقد هدى المؤمنين حقا إلى ذلك حيث أمرهم بالتوجه إلى بيت المقدس ثم رجع إلى الكعبة، فامتثلوا أمره لأنهم على علم بأن المصلحة فيما أمر والخير فيما وجه.
ومثل هذه الهداية والتوفيق إلى الصراط المستقيم جعلناكم أيتها الأمة المحمدية وسطا عدولا بلا إفراط ولا تفريط في أى شيء من شئون الدين والدنيا، فالأمة الإسلامية وسط في عقائدها العامة تحافظ على المادة والروح، وتنمى هذا وذاك وهي وسط في معاملتها للفرد وللجماعة فلا تجعل الفرد يطغى على الجماعة باستبداده ولا تلغى شخصية
الفرد في الجماعة، ولقد صدق الله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ «1» وذلك لتكونوا شهداء على الناس في الدنيا، ولتكونوا شهداء على الأمم يوم القيامة، ويكون الرسول عليكم شهيدا.
روى أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء- عليهم السلام لهم، فيطالبهم الله تعالى بالبينة- وهو أعلم بكل شيء- إقامة للحجة على الجاحدين المنكرين، فتقول الأنبياء: أمة محمد تشهد بذلك، فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون للأنبياء فتقول الأمم لهم: من أين عرفتم ذلك؟
فيقولون: علمنا ذلك بإخبار الله- تعالى- في كتابه الناطق، على لسان رسوله الصادق، فيؤتى عند ذلك بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ويسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد لهم وذلك قوله تعالى: وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.
وما جعلنا القبلة التي تحبها والجهة التي كنت عليها بمكة (يعنى: وما رددناك إليها) إلا امتحانا وابتلاء ليظهر ما علمناه، ويتبين في الواقع الثابت على الإسلام الصادق فيه ممن هو على حرف ينكص على عقبيه فيرتد، حتى يجازى كل على عمله.
وإنما شرعنا لك التوجه إلى بيت المقدس ثم إلى الكعبة ليظهر حال المؤمنين والمنافقين.
وإن كانت هذه الفعلة لشديدة على نفوس الناس إلا على الذين هداهم الله ووفقهم فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [سورة التوبة الآيتان 124 و 125] .
وروى أنه لما غيرت القبلة أخذ المرجفون يقولون: ما حال المسلمين الذين ماتوا قبل التحويل؟ وكيف نحكم على صلاتهم وإيمانهم؟ ولقد سأل بعض المسلمين عن أقاربهم الذين ماتوا ليطمئنوا فأجابهم: وما كان الله ليضيع إيمانكم وثباتكم على الإسلام، وبالتالى لا يضيع صلاتكم وعبادتكم. إن الله بالناس لرءوف رحيم.
(1) سورة آل عمران آية رقم 110.