الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض أحكام الطلاق [سورة البقرة (2) : الآيات 229 الى 230]
الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَاّ أَنْ يَخافا أَلَاّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)
المفردات:
تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ أى: إرسال لهن بدون رجعة. حُدُودَ اللَّهِ: أحكامه وقوانينه. تَعْتَدُوها: تجاوزوها.
المعنى:
كان الرجل قبل نزول هذه الآية يطلق امرأته فإذا قاربت انتهاء العدة راجعها، وهكذا فلا هو يمسكها بالمعروف ولا هو يطلقها بالمعروف فنزلت هذه الآية قطعا لهذه الفوضى، وحدّا لحرية الرجعة والطلاق، وأنت تراها مخصصة لقوله- تعالى-:
وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ على معنى عدد الطلاق الذي تصح فيه الرجعة مرتان، أى: اثنتان، وبعدها إمساك لها بالمعروف والمعاشرة الحسنة، أو تسريح لها بإحسان، بمعنى أن تتركها حتى تتم العدة من الطلقة الثانية ولا تراجعها، وقيل: المراد من التسريح
الطلقة الثالثة،
فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أين الطلقة الثالثة؟ فقال: أو تسريح بإحسان»
ولأن التسريح من ألفاظ الطلاق، والإحسان في الآية المقصود منه أن ينفحها بجزء من المال جبرا لخاطرها، وهو ما يسمى بالمتعة عند بعض الفقهاء.
ومن آداب الطلاق حرصا على مصلحة الزوجة وحدا لطغيان الرجل أن يطلقها في الطهر لا في الحيض، وأن يكون مرة بعد مرة لا دفعة واحدة، ولعل هذا هو السر في التعبير بقوله: مرتان لا اثنتان.
وهل الطلاق الثلاث يقع طلقة واحدة أم ثلاثا؟
الظاهر الذي عليه النظم الكريم من قوله: مرتان، أن الطلاق الثلاث يقع طلقة واحدة،
ولحديث ابن عباس: «كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافة أبى بكر وصدر من خلافة عمر: الطلاق الثلاث واحدة
. فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضينا عليهم، فأمضاه عليهم» .
والجمهور على أنه ثلاث كما رأى عمر الفاروق، وذهب طائفة من العلماء إلى أنه واحدة خلافا للجمهور.
فلقد شدد عمر ومن بعده من جمهور العلماء على الناس لما استباحوا الطلاق ورجع كثير من العلماء إلى الرأى الأول (قبل رأى عمر) أخذا بظاهر الآية وتخفيفا على الناس في مسألة الطلاق وفرارا من المحلل أو الوقوع في المحظور.
ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أعطيتموه للمرأة في الصداق شيئا بحال من الأحوال في نظير الطلاق إلا في حالة ما إذا خفتم ألا تقام حدود الله في الحياة الزوجية، فإن خفتم ألا تقام حدود الله وأحكامه فإن كان السبب من الزوج والبغض منه لا تتفق وروح الإسلام ولا تقام حدود الله بينها فله أن يسرحها بإحسان وليس له أن يأخذ منها شيئا بل عليه النفقة، وليعلم أنه ارتكب إثما إذ إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق، ولم يشرع إلا للضرورة القصوى.
وإن كان من قبلها كأن أبغضته لا تستطيع معه الصبر وخافت أن يقع منها نشوز ومخالفة لأمر الله وحكمه فلا جناح عليها أن تفتدى نفسها منه بإعطائه شيئا من المال الذي دفعه صداقا، ولا جناح عليه أن يأخذه لأن السبب منها.
وهذا ما يسمى بالخلع في كتب الفقه الإسلامى.
روى البخاري عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أن جميلة بنت عبد الله بن سلول كانت امرأة ثابت بن قيس بن شماس فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: لا أطيق زوجي بغضا، وأكره الكفر بعد الإسلام (أى: كفر نعمة العشير وخيانته في فراشه) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتردين عليه حديقته؟» (كان أصدقها حديقة) قالت: نعم.. قال للزوج:
اقبل الحديقة وطلقها «1» : تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
ومن أحكام الخلع أنه لا تصح الرجعة بعده إلا بأمر الزوجة بخلاف الطلاق الرجعى.
أما الطلاق البائن بينونة كبرى وهو المشار إليه بقوله- تعالى- فَإِنْ طَلَّقَها، أى:
بعد الطلقتين السابقتين واختار تسريحها فلا يحل له أبدا حتى تتزوج من آخر زواجا شرعيا صحيحا غير محدود بزمن ولا مشروط فيه أى شرط يضر العقد، وحتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها، فإن طلقها الزوج الثاني، وانقضت المدة فلا مانع من الرجوع إلى الزوج الأول إن ظنا أنهما يقيمان حدود الله وما أمر به من المعاشرة الحسنة، وانظر إلى إطلاق حدود الله على المعاشرة الطيبة الخالية من السوء والنشوز.
وهذه حدود الله يظهرها بأجلى بيان وأحسن عرض ولا يعقلها إلا العالمون، نعم لا يعقل سرها إلا العقلاء الفاهمون فقديما كنا نسمع نقدا شديدا لأحكام الدين في الزواج والطلاق، فما بال الغربيين رجعوا اليوم وشرعوا الطلاق ورأوه ضرورة لبناء الأسرة وكيان الأمة؟؟
أمن الدين بل من العقل أن تبقى امرأة رأيت سلوكها معوجا ولم يمكنك إقامة الدليل على ذلك؟ ماذا تفعل لو لم تجد الطلاق مشروعا؟ ألا أيها القوم تعقلوا فتلك حدود الله بينها لقوم يعقلون، ولا يضر الدين الإسلامى إساءة استعمالنا هذا الحق في الطلاق!!
(1) كتاب الطلاق باب الخلع حديث رقم 5273.