الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
يَمْلِكُ: يدفع ويمنع، وأصل الملك: الضبط والحفظ التام. يُهْلِكَ:
يميت ويعدم. فَتْرَةٍ: سكون وهدوء من الرسل، والمراد انقطاع الوحى، وعدم ظهور الرسل مدة من الزمن.
المعنى:
المسيحيون في هذا العصر طوائف أشهرها ثلاث: البروتستانت، والكاثوليك، والأرثوذكس. يقولون بألوهية المسيح وأن الله هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وقد كان المسيحيون القدامى لا يصرحون بهذا الرأى وإن كان لازما لأقوالهم بالحلول والاتحاد، على أن فرقة منهم هي اليعقوبية كانت تقول: إن المسيح هو الله.
والمسيحيون المعاصرون خصوصا الكاثوليك والأرثوذكس لا يعدون الموحد مسيحيا، وأساس هذه العقيدة عبارة وردت في إنجيل يوحنا (في البدء كانت الكلمة والكلمة كان عند الله: والله هو الكلمة) وقد أطلقوا لفظ الكلمة على المسيح، فصار معنى الفقرة: الله هو المسيح، كما وصفهم القرآن الكريم.
على أن الثابت أن يوحنا كتب إنجيله في آخر حياته وكتبه بإلحاح عليه. فإذا المسيح برىء منها ولم يدع إليها أبدا بل سيأتى أنه دعا إلى التوحيد وإلى تمجيد الله فقط كما نقل عنه في الإنجيل.
وقد ذكر الدكتور (بوست) في تاريخ الكتاب المقدس: طبيعة الله ثلاثة أقانيم متساوية الجوهر: الله الأب، والله الابن، والله روح القدس، فإلى الأب الخلق، وإلى الابن الفداء، وإلى روح القدس التطهير، غير أن الثلاثة أقانيم تتقاسم جميع الأعمال على السواء.
ولقد رد القرآن هذا الزعم الباطل، وأبطل تلك العقيدة الوثنية فقال: يا أيها الرسول قل لهؤلاء الذين تجرأوا على مقام الألوهية: من يملك من الله شيئا إذا أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه؟ من يمنع الله إذا أراد أن يميت المسيح وأمه؟ لا أحد يقدر على هذا!! فالله لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه!! بل لا يستطيع أحد أن يشفع عنده إلا بإذنه وأمره وها هو ذا المسيح وأمه قد حصل لهما ما حصل لبقية الخلق فهل منعا عن أنفسهما شيئا؟؟.
وإذا كان المسيح لم يستطع أن يدفع شيئا عن نفسه ولا عن أمه ولم يستطع أحد أن يدفع عن المسيح شيئا فهل يكون هو الله الذي بيده ملكوت كل شيء؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا!! ولنا أن نرد عليهم بكلامهم.
إذا كان المسيح إلها فكيف لم يرد عن نفسه الصلب الذي هو شر أنواع الهلاك؟ فقد قيل في الإنجيل: «ملعون كل من علق على خشبة» من إحدى رسائل بولس الرسول، وثبت أن المسيح استغاث بربه ضارعا خائفا وجلا ليصرف عنه ذلك الكأس فلم يجب إلى طلبه، في إنجيل متى:(إلهى إلهى لماذا تركتني؟) . (يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عنى هذه الكأس. إن لم يمكن أن تعبر عنى هذه الكأس إلا أن أشربها فلتكن مشيئتك) .
فإذا عيسى- كما هو منصوص عندهم- نبي ورسول كما أنه بشر كبقية الخلق خائف وجل متضرع إلى الله- جل جلاله شاعر بأن الصلب شر أنواع الهلاك، ولإخلاصه وصدقه نجاه الله من الذين مكروا به وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء 157] .
لا أحد يمكنه أن يرفع الهلاك ويمنع الموت عن عيسى وأمه ومن في الأرض جميعا وكيف يكون غير هذا؟ ولله وحده ملك السموات والأرض وما بينهما.
ولقد كان السبب في تخبط النصارى وضلالهم كثرة المتشابه عندهم في الأناجيل،
وأن عيسى خلق على غير السنن المألوف، وقد عمل أعمالا غريبة لم تصدر عن عامة البشر.
ولذلك رد الله عليهم هذا بقوله: يَخْلُقُ ما يَشاءُ فهو مالك الملك، وصاحب الأمر في السماوات والأرضين يخلق ما يشاء على حسب حكمته وإرادته فقد خلق أبانا آدم بلا أب ولا أم، وحواء بدون أم، وعيسى بلا أب وأصول الحيوانات جميعا من مادة لا توصف بذكورة ولا أنوثة.
ولقد أرسل رسله مبشرين ومنذرين، وأيدهم بروح من عنده وأجرى على أيديهم المعجزات المناسبة لزمانهم، فهذا موسى وعصاه السحرية لأن السحر كان أبرز علم عندهم، وهذا عيسى وإبراؤه الأكمه والأبرص وإحياؤه الميت لأن الطب كان أبرز شيء عند قومه، وهذا خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم كانت معجزته القرآن لأنه بعث في العرب المعتزين بالفصاحة وكانت رسالته خاتم الرسالات فكان قرآنه باقيا كاملا في كل شيء، هذا القرآن الذي وقف وحده آلاف السنين يرد هجمات أعدائه على كثرتهم.
فلا يغرنكم أيها المسيحيون إحياء عيسى للميت.
أخوك عيسى دعا ميتا فقام له
…
وأنت أحييت أجيالا من العدم
ولا غرابة في ذلك فالله يخلق ما يشاء وهو على كل شيء قدير.
وإذا كان عيسى إلها فمن كان الإله قبله؟ وعلى أى وضع كان؟
وسيأتى مزيد من الرد على ألوهية عيسى ابن مريم قريبا.
روى أن اليهود تكلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى التوحيد وحذرهم من عذاب يوم القيامة، فقالوا: ما تخوفنا يا محمد؟ ونحن أبناء الله وأحباؤه!! وقد قالت النصارى ذلك فنزلت هذه الآية.
والمعنى: قالت اليهود كما قالت النصارى: نحن أبناء الله وأحباؤه!! فالله يعاملنا معاملة الأب لأبنائه يعطف علينا ويرحمنا، وبعض النصارى بالغوا في ذلك فقالوا:
عيسى ابن الله حقيقة ونحن أبناء مجازا.
وقد رد الله عليهم بقوله: قل لهم يا محمد: إذا كان الأمر كذلك!! فلم يعذبكم
بذنوبكم في الدنيا كما ترون من تخريب دياركم وهدم الوثنيين لمسجدكم في بيت المقدس، ومن لصوق العداوة والبغضاء فيكم أيها النصارى، فأنتم تتحاربون وتتقاتلون إلى الأبد، فبعضكم رأسمالي وستظل الحرب بينكم دائما حتى تفنوا جميعا إن شاء الله.
وأما في الآخرة فيكون العذاب عسيرا عليكم أهل الكتاب، والأب لا يفعل هذا مع أبنائه والأولاد لا يعصون آباءهم كما تفعلون!! بل أنتم وغيركم من جميع الطوائف والملل بشر وخلق من خلق الله لا فضل لأحد على أحد إلا بالإيمان الصادق الخالص من شوائب الوثنية.
لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً [سورة النساء آية 123] .
ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير في الآخرة إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً «1» وسيعذب الكافر والعاصي ويثيب الطائع والصالح.
يا أهل الكتاب لا حجة لكم، قد جاءكم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يبين لكم ما اندثر من الأحكام، وضاع من القوانين وقد بشرت به كتبكم وهو مصدق لما معكم، جاءكم على فترة من انقطاع الرسل والوحى عليكم فيما بينه ما كنتم تخفونه وتكتمونه، ولولا أنه رسول ما أمكنه ذلك، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، لئلا تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير، والله على كل شيء قدير.
(1) سورة مريم آية 93.