الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
مُصِيبَةٌ: ما أصابهم يوم أحد من الهزيمة وقتل سبعين من المسلمين. أَنَّى هذا أى: من أين لنا هذا؟ وهو تركيب يفيد التعجب الْجَمْعانِ: جمع المسلمين وجمع المشركين. فَادْرَؤُا: فادفعوا عن أنفسكم
…
لما حكى الله قولهم واتهامهم النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم من كل عيب وخطأ أردف هذا ببيان خطئهم فيما قالوا وفعلوا يوم أحد!
المعنى:
يقول- سبحانه وتعالى منكرا لقولهم هذا رادّا لفعلهم وأنه لا يليق: أفعلتم ما فعلتم وفشلتم وتنازعتم وعصيتم أمر رسولكم، ولما أصابتكم مصيبة في أحد قد أصابهم ضعفاها يوم بدر- وذلك أنهم قتل منهم في أحد سبعون، وقد قتلوا يوم بدر من المشركين سبعين وأسروا سبعين- قلتم أيها المنافقون حين هزمتم في أحد: من أين لنا هذا؟!! تعجبا، أى: من أين جاءت لنا هذه المصائب كأنهم فهموا أن النصر دائما في جانب المسلمين مهما خالفوا وعصوا أوامر الدين.
وللأسف توجد فئة من المسلمين يفهمون مثل هذا الفهم ويعتقدون أن الله ناصر المسلمين وإن خالفوه وعصوا رسوله فالله- سبحانه- ينكر عليهم تعجبهم قائلا: إن كنتم هزمتم في أحد فقد هزمتم المشركين في بدر على أن هزيمتكم في أحد أنتم سببها قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ واعلموا إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فلم يكن هناك شيء خارج عن قدرته ولكنه- سبحانه- لحكم هو يعلمها- وقد صرح القرآن ببعضها- أراد لكم هذا المصير في غزوة أحد، وما أصابكم يوم التقى الجمعان في أحد، فبإذن الله وإرادته وتقديره لأن كل شيء في الوجود خاضع لإرادته وحكمته.
وقد حصل هذا، ليعلم الله المؤمنين، ويتميزوا عن غيرهم فيعرفوا أنفسهم، والمراد: تحقيق إيمان الذين آمنوا وظهوره في الخارج.
وكذا يتحقق نفاق الذين نافقوا منكم فقد كانوا حينما خرجوا من المدينة إلى أحد ألف مقاتل ثم رجع عبد الله بن أبىّ ومن معه من المنافقين في الطريق وكانوا ثلاثمائة
رجل، فبهذا عرفوا وعرف حقيقتهم في الإيمان ولا تنس من ترك مكانه من الرماة وخالف الرسول صلى الله عليه وسلم ولولا غزوة أحد ما ظهر هذا كله.
إن هؤلاء الذين نافقوا قيل لهم: تعالوا قاتلوا في سبيل الله وجاهدوا للدفاع عن الدين والحق والعدل ابتغاء مرضاة الله لا ابتغاء مكسب أو عرض دنيوى، أو: تعالوا قاتلوا على أنه دفاع عن النفس والأهل والوطن فإن هزيمة المسلمين هزيمة لسكان المدينة وضياع لكرامتها، فما كان من هؤلاء المنافقين إلا أنهم زاغوا وقعدوا وتكاسلوا قائلين: لو نعلم أنكم تلقون قتالا في غزوتكم هذه لاتبعناكم وسرنا معكم ولكننا نعلم أنكم لا تقاتلون.
وقيل في معنى كلامهم: لو نعلم أنكم ذاهبون لقتال لذهبنا معكم ولكنكم ذاهبون لهلاك محقق فنحن لا نذهب معكم هؤلاء الناس يوم أن قالوا هذه المقالة وتخلفوا عن جيش المسلمين هم يومئذ للكفر أقرب منهم للإيمان، فقد ظهرت حقيقتهم، فبعد أن كانوا مستورين يطلق عليهم لفظ الإيمان أصبحوا لا ينطبق عليهم الوصف وصاروا أقرب إلى الكفر فإن من يقعد عن الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الأوطان لا يصح أن ينطبق عليه وصف المؤمنين: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [سورة الحجرات آية 15] .
هؤلاء يقولون: نحن مؤمنون- بأفواههم فقط- وهذا ديدن المنافقين يقولون ما ليس في قلوبهم، وهل يخلو نفاق من كذب وبهتان؟ والله أعلم بما يكتمون من الكفر والعداوة للمسلمين وتمنى هزيمتهم وزوالهم.
هذه مقالتهم عن القتال لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ ولهم مقالة أخرى بعد الموقعة أشد خطرا وضررا.
إنهم قالوا لأجل إخوانهم ومن على شاكلتهم في الجنس والدين والجوار وقعدوا عن القتال وتخلفوا عن شرف الجهاد، قالوا في شأن إخوانهم: لو أطاعونا ولم يسيروا مع المسلمين ما قتلوا كأنهم حصروا أسباب الموت والهلاك في ذهابهم إلى ساحة القتال! تبّا لهؤلاء الجبناء الرعاديد!! ألم يعلموا أن كثيرا ممن يذهب إلى القتال ينجو ومن يتخلف يموت وهل سبب الموت القتال فقط؟!