الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكاظِمِينَ: الحابسين الغيظ، والكاتمين له مع القدرة. الْغَيْظَ: أشد أنواع الغضب، وهو فورة في الدم عند وقوف الإنسان على ما يؤلمه في ماله أو ولده أو عرضه. فاحِشَةً ذنب كبير، وظلم النفس ذنب صغير.
المناسبة:
لما نهى الله المؤمنين عن اتخاذ البطانة من غير المسلمين لأنهم خطر عليهم وبين أنهم إن يصبروا ويتقوا لا يضرهم كيدهم شيئا، ثم ضرب الله المثل لبيان أثر التقوى والصبر في غزوتى بدر وأحد وما فعله الكفار وخاصة اليهود والمنافقين، بين بعد هذا وذاك فحش صفة لازمة لليهود وحذر منها المسلمين وهي الربا واستتبع هذا ذكر لون من ألوان الترغيب والترهيب.
المعنى:
يا أيها الذين آمنوا لا يليق بكم وقد خالط قلوبكم نور الإسلام وبرد اليقين أن تأكلوا الربا حال كونه أضعافا مضاعفة كما كنتم تفعلون في الجاهلية- وهذه ثانى آية في الربا.
فقد كانوا يعطون المائة حتى إذا حل أجلها فإما أن يدفع المدين وإما أن يزيد في الدين وهكذا حتى يصبح المال المقروض أضعافا مضاعفة، وهذا ما يسمى ربا النسيئة أو الربح المركب وهو ما ورد فيه نص القرآن كما قال ابن عباس- رضى الله عنه-.
وضابطه:
كل قرض جر نفعا للمقرض في مقابل النسيئة، أى: التأخير والأجل سواء كانت المنفعة نقدا أو عينا كثيرة أو قليلة وعلى ذلك فالتعامل مع المصارف بفائدة 3 در صد أو 4 در صد مثلا هو ربا ونسيئة بدليل قوله- تعالى-: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ «1» أى: بدون زيادة أصلا، أما ربا الفضل فهو بيع ربوى بمثله مع زيادة في أحد المثلين، كبيع إردب قمح جيد بإردب وكيلتين من القمح مع رضا الطرفين وهو يكون في المطعومات كالبر والذرة والشعير وكل ما تجب فيه الزكاة من الحبوب وكذا النقدان.
(1) سورة البقرة آية 279.
وربا الفضل- كما تقدم عند شرح آية البقرة- ثابت تحريمه بالحديث الشريف فقد
روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا سواء بسواء
…
إنى أخشى عليكم الرماء، أى: الربا» «1»
. وكذا حديث أبى سعيد الخدري المتقدم.
والجمهور من العلماء على أن الربا بنوعيه خطر على الأمة والفرد كما بينا ذلك في آية البقرة لا فرق بين ربا النسيئة وربا الفضل سواء كانت الزيادة قليلة أم كثيرة، والتقيد بالأضعاف المضاعفة في الآية هنا لبيان الواقع الذي كان يحصل عندهم في الجاهلية فلا مفهوم له، وقد تكون هذه الآية هي المرحلة الوسطى بين الإشارة التي في سورة الروم آية 29 وبين التحريم الكلى القاطع في سورة البقرة كما تقدم.
وبعض العلماء يرى أن ربا النسيئة ثابت بنص القرآن وخطره ظاهر جسيم إذ هو الربح المركب الذي يتضاعف فيه مال المرابى إلى أضعاف كثيرة وهو الذي لعن الله آكله ومؤكله وكاتبه وشاهده وآذن صاحبه بالحرب إن لم يكف وهو صفة اليهود وديدنهم.
وأما ربا الفضل فثابت بالحديث، وخطره قليل وتحريمه ليس لذاته بل أمر عارض، فإنه قد يجر إلى ربا النسيئة فتحريمه من باب سد الذرائع فهو يباح عند الضرورة والحاجة.
وأنت كمسلم تقدر ضرورتك.
والرأى عندي أن الواجب على الحكومة أو الأغنياء أن ينشئوا مصرفا للتسليف بلا فائدة كمؤسسة القرض الحسن ومصاريف الموظفين والعمال واستهلاك المبانى والمصارف إن لم تكن على حساب الحكومة فلا مانع من أن تؤخذ من المدين.
واتقوا الله في كل ما تأتون وتذرون خاصة الربا، ولا تكن قلوبكم كقلوب اليهود.
فإنكم إن اتقيتم الله حق تقواه كنتم كمن يرجو الفلاح في الدنيا والآخرة.
واتقوا النار التي أعدت للذين يبتعدون عن الله ولا يمتثلون أمره، لا سيما هذا الداء الوبيل فإنه من أكبر الكبائر حتى كأن صاحبه في عداد الكافرين.
وانظر يا أخى كيف نفّر القرآن من الربا وأكد ذلك بأربعة تأكيدات: اتقوا الله، اتقوا النار، أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، وفي هذا كله فلاح وبعد عن النار ورحمة وأى رحمة؟
(1) أخرجه مالك في الموطأ في كتاب البيوع رقم 34 ج 2 ص 634.
ثم ثنى بالوعد والترغيب بعد الوعيد والترهيب فقال:
وبادر بعمل الطاعات كالبر والصدقة والبعد عن الآثام كالربا وغيره، وبادروا إلى مغفرة من ربكم وإلى جنة أعدت للعاملين جنة واسعة فسيحة عرضها كعرض السماء والأرض معا وهذا بيان لأقصى ما يتصوره الخيال وتمثيل لعظمتها وكبرها وخص العرض لأنه أقل من الطول.
هذه الجنة أعدت للمتقين، الذين أخذوا الوقاية لأنفسهم من عذاب الله بالعمل الصالح وها هي ذي أوصافهم:
1-
المنفقون في السراء والضراء في الشدة والرخاء في كل حال وعلى كل وضع ولا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [البقرة 286] وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ [الطلاق 7] .
فانظر إلى المؤمنين كيف يبذلون لله ويعطون الفقراء من غير عوض؟ والمرابين الذين يستنزفون دماء المحتاجين ويخربون بيوت المدينين ويأكلون مال الغير بغير حق بل وبمنتهى الظلم والقسوة.
2-
وهم الذين يكتمون غيظهم ويملكون أنفسهم عند الغضب فلا يعتدون على الغير خاصة إذا كانوا في قوة ومنعة.
3-
وهم الذين يتجاوزون عن ذنوب الناس فلا حقد ولا ألم في نفوسهم بل يعفون عن طيب خاطر وطواعية.
4-
وهناك صفة أعلى إذ هم مع كظم الغيظ والعفو عن الناس يحسنون إليهم ولذلك أحبهم الله ووصفهم بالإحسان والله يحب المحسنين.
روى أن جارية لعلى بن الحسين- رضى الله عنهما- جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة: فسقط الإبريق من يدها، فشجه، فرفع رأسه فقالت: إن الله يقول:
وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ فقال: قد كظمت غيظي. فقالت: وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ قال: قد عفوت عنك. قالت: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله.
5-
وهم الذين إذا فعلوا ذنبا كبيرا يتعدى ضرره إلى الغير كالزنا والربا والسرقة