الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
بَشِّرِ: المراد أنذر، وإنما قال: بشر تهكما بهم. الْعِزَّةَ: القوة والمنعة. يَخُوضُوا: يدخلوا. يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ: ينتظرون وقوع أمر بكم.
نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ الاستحواذ: هو الاستيلاء، والمراد: ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم فأبقينا عليكم.
المعنى:
من الناس من ران على قلبه ظلمات الغي والضلال فختم الله عليه وحجب بصره كثرة الفسوق والعصيان حتى لم يعد عقله يرى نور الإيمان، ولا قلبه يهتدى بهدى القرآن، أولئك هم الذين تذبذبوا واضطربوا، فمرة هم مؤمنون في الظاهر وإذا خلوا إلى شياطينهم فهم كافرون، وإذا عادوا مع المؤمنين آمنوا ثم ارتدوا كافرين بل أشد كفرا وعنادا مما جاهر بالكفر وثبت عليه، أولئك هم المنافقون الذين كانوا حربا على الإسلام وخطرا داهما على الدولة، وهؤلاء بطبيعتهم التي وصفها القرآن يستحيل عليهم الهداية فإن القلب يصدأ كما يصدأ الحديد، وقلوب هؤلاء تراكم عليها الصدأ حتى أكلها وأفناها، فإن الله لن يغفر لهم ولن يهديهم سبيلا إلى الخير لأنهم لم يحاولوا الهداية ولم يفتحوا عيونهم للنور أبدا.
أنذر هؤلاء المنافقين بأن لهم عذابا أليما إذ هم في الدرك الأسفل من النار، هؤلاء هم الذين يتخذون الكافرين أولياء متجاوزين المؤمنين اعتقادا منهم أن الدولة للكافرين ولم يعلموا أن العاقبة للمتقين لأن الله معهم.
وكذبوا وافتروا: أيبتغون العزة عند هؤلاء؟ كيف يطلبون من هؤلاء القوة والمنفعة وهم أعداء الله ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين وأوليائه.
وقد نزل عليكم في الكتاب حيث قال: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ.
والخطاب موجه إلى المؤمنين مطلقا الصادقين والمنافقين، أى: إذا سمعتم آيات الله يكفر بها الكافرون ويستهزئون بها فلا تستمعوا لهؤلاء ولا تجالسوهم حتى يتكلموا في
حديث آخر غير حديث الكفر والإلحاد إنكم إن قعدتم معهم وهم يتكلمون بالباطل في الدين ويستهزئون بالقرآن تكونوا مثلهم، وقد كان المنافقون يجالسون اليهود ويستعمون إليهم وهم يجعلون القرآن موضع الهزء والسخرية، إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا، فإنهم بين مرتكب للإثم وراض عنه غير منكر بل مشجع على ارتكابه.
هؤلاء المنافقون الذين يتربصون بكم وقوع الأمر المؤلم وأن تدور الدائرة عليكم وينتظرون ما يحدث لكم من خير وشر، فإن كان لكم نصر من الله وفتح قالوا: نحن معكم نستحق في الغنيمة، وإن كان للكافرين نصيب في النصر كما حصل يوم أحد قالوا: ألم نستحوذ عليكم ونتمكن من قتلكم فأبقينا عليكم ونحن نمنعكم من المؤمنين بتخذيلهم وإذاعة الأخبار التي تثبط قلوبهم وتلقى الرعب فيها، وإذا كنا نهينا عن مجالسة هؤلاء فكيف بنا إذا اتخذناهم أولياء؟ فالله يحكم بينكم يوم القيامة فيجازى كلا على عمله، ففريق في الجنة وفريق في السعير، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا يغلبونكم به على أمركم، وحيث وصف المؤمنين بهذا الوصف وهو الإيمان فإن تحقق الإيمان تحقق وعد الله بالنصر وغلبة المؤمنين على الكافرين، وقريب من هذا قوله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا «1» كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
«2» وأين هم المؤمنون الصادقون في الإيمان؟
المنافقون لجهلهم، وقلة علمهم، وسوء تقديرهم، يفعلون ما يفعل المخادع، حيث يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، والله- سبحانه- فاعل بهم ما يفعله المخادع حيث أجرى عليهم الأحكام العامة التي عصموا بها دماءهم وأموالهم وأعد لهم في الآخرة الدرك الأسفل من النار، وفي الحقيقة الله لا يخادع فإنه العالم بالسر وأخفى، فقيل: إن المراد يخادعون رسول الله والمؤمنين، وإنما آثر القرآن هذا التعبير ليسجل عليهم عظم جرمهم وليشير إلى أن من يخادع الله كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ «3» وهكذا يكون مركز الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.
(1) سورة الحج آية 38.
(2)
سورة الروم آية 47.
(3)
سورة الفتح آية 10. [.....]