الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هكذا أسلوب القرآن يذكر الشيء ثم يردفه بمقابله ليتجلى الفرق ويظهر للعيان بأجلى معانيه، وليعلم المنافقون أنهم ليسوا على شيء من الإيمان إذ صفته ما يذكر هنا من إقامة الصلاة والأمر بالمعروف
…
إلخ. أما إيمانهم الظاهر فهو نفاق وخداع لا ينفع أبدا.
المعنى:
المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض بالنصرة والمعونة والمساعدة في السراء والضراء، والوقوف بجانب بعض في الشدائد والمكروه، بعضهم أولياء بعض ولاية أخوة ومودة ومحبة وصداقة، فنبيهم صلى الله عليه وسلم
ويقول: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»
هذا هو أساس الإيمان وطبعه لا فرق بين ذكر وأنثى وقد كانت النساء في العصر الأول يقمن بالمعونة والنصرة في الحروب وغيرها على قدر طاقتهن مع التجمل بالأدب والحياء ولبس لباس الدين والعفاف.
وانظر يا أخى في وصف المؤمنين بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وفي وصف المنافقين بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ترى أن المنافقين لا ولاية بينهم ولا أخوة تبلغ درجة الإيثار والنصرة وفّى الحروب، ولكنها أخوة كلام فقط أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ [سورة الحشر الآيتان 11 و 12] .
فالمنافقون بعضهم يشبه بعضا في الشك والنفاق والارتياب ولكن لا صلة بينهم ولا تآلف، إذ الولاية والصلة والأخوة هي من صفات المؤمنين أصحاب العقائد الراسخة، ولذا يقول الله فيهم: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ولاية النصرة في الدفاع عن الحق والعدل والكرامة والدعوة إلى الله يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وبالعكس المنافقون يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ولا غرابة فهاتان الصفتان من أبرز صفات المؤمنين.
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [سورة آل عمران آية 110] ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وهاتان صفتان في مقابلة وصف المنافقين بأنهم نسوا الله، وبأنهم يقبضون أيديهم.
وإقامة الصلاة: إتيانها مقومة كاملة تامة الأركان والشروط فيها الخضوع الكامل والخشوع لله. ومراقبته وذكره، أما صلاة المنافقين فللرياء وللنفاق إذا قاموا إليها قاموا كسالى، وإتيان الزكاة دليل كمال الإيمان والخشية من الله والأمل في رضائه ورضوانه.
وخص هذان الركنان بالذكر لأنهما علاج الهلع والجزع، والبخل والخور فهذه أمراض تدفع صاحبها إلى الإحجام عن الدفاع عن الحق وإعلاء كلمة الله وتدفعه إلى الشح الصاد عن الإنفاق في سبيل الله، ولذا كان المنافقون أجبن الناس وأبخلهم، انظر إلى قوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً. وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً. إِلَّا الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ. وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ. وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [سورة المعارج الآيات 19- 26] .
وقد جعل الله هذه الأربع: الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. أساس النجاح في الدنيا ووسيلة العمران وإقامة الدولة المسلمة الصالحة للتمكين في الأرض الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ [سورة الحج آية 41] والمؤمنون والمؤمنات من صفاتهم أنهم يطيعون الله ورسوله بامتثال الأمر واجتناب النهى.
أولئك سيرحمهم الله، ويدخلهم في رحمته الواسعة التي كتبها لهم رحمة خالصة من شوائب الكدر والشقاء. إن الله عزيز لا يغلب، حكيم في كل صنع، وهذا تدليل مناسب لهذا العطاء الكبير للمؤمنين.
وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات، جزاء لهم، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان وعدهم الله جنات موصوفة بأنها تجرى من تحتها الأنهار فليس فيها تعب ولا مشقة ولا عطش ولا ألم كما أن مياهها طاهرة نظيفة لا تتغير بالمكث، ولا تفسد بالوقوف.
وهم الخالدون فيها إلى ما شاء الله ومقيمون بها إقامة أبدية.