الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب النزول:
نزلت الآية في صلح الحديبية، لما صد المشركون النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام، وصالحوه على أن يرجع في عامه القابل، ويخلوا مكة له ثلاثة أيام للنسك والطواف.
فلما كان العام القابل تجهز النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لعمرة القضاء، وخافوا ألا تفي لهم قريش وأن تصدهم عن المسجد الحرام بالقوة ويقاتلوهم كما فعلوا في العام السابق، وكره الصحابة قتالهم في الحرم والأشهر الحرم فأنزل الله هذه الآية.
المعنى:
أيها المؤمنون: قاتلوا في سبيل الله فإنى أذنت لكم في قتال المشركين: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [سورة الحج الآية 39] . فإنهم فتنوكم عن دينكم وأخرجوكم من دياركم، وقاتلوكم ونكثوا عهودهم، وقاتلوهم على أنه دفاع في سبيل الله للتمكن من عبادته في بيته، ولتربية هؤلاء المفتونين والمغرورين، ولا تعتدوا بالقتال فتبدأوهم، ولا تعتدوا في القتال بأن تقتلوا الصغار والعجزة والشيوخ أو من ألقى إليكم السلاح، إن الله لا يحب الخير للمعتدين فكيف بمن يعتدى في الحرم والأشهر الحرم؟
اقتلوهم إذا نشب القتال بينكم أينما أدركتموهم على أى حال كما سيأتى في الآية قريبا، وأخرجوهم من مكة حيث أخرجوكم، وظاهروا على إخراجكم، أليست فتنتهم إياكم في الحرم عن دينكم بالإيذاء والتعذيب ومصادرة الأموال والإخراج من الوطن أشد قبحا من القتال في الحرم؟! إذ لا بلاء أشد على نفس الحر من الإيذاء والاضطهاد لأجل عقيدة تمكنت في قلبه، واستحوذت على عقله ورأى السعادة في الدنيا والآخرة موقوفة عليها، وحقا: الفتنة أشد من القتل.
ثم استثنى القرآن الكريم من وجوب قتال هؤلاء المحاربين في كل زمان ومكان قتالهم في المسجد الحرام لأن من دخله كان آمنا، فإن قاتلوكم فقاتلوهم، ولا تستسلموا لهم أبدا فالشر بالشر والبادي أظلم، وكذلك جزاء الكافرين.
فإن انتهوا عن القتال وكفوا عنه، أو دخلوا في دين الله، فإن الله غفور لهم، رحيم يمحو من العبد ما سلف إذا هو تاب وأناب.
فاقتلوهم إذا هم بدءوكم واعتدوا عليكم، واستمروا في قتالهم حتى لا تكون لهم قوة أصلا تمكنهم من أن يفتنوكم عن دينكم أو يفتنوا غيركم، واستمروا في قتالهم حتى يكون الدين خالصا لله لا دخل للشيطان فيه، وحتى يأمن المسلم في الحرم فيظهر دينه فيكون الدين لله فقط.
وقد كان الكفار بمكة في أمن وطمأنينة يقيمون الباطل ويعبدون الأصنام، والمسلمون مطرودون منها ومن بقي فهو خائف لا يظهر دينه ولا يجاهر به.
فإن انتهوا بعد هذا فلا اعتداء منكم إلا على من ظلم تأديبا لهم وإصلاحا. وذلك بإقامة الشرع وأحكامه فيهم.
ولقد وضح الله الحكمة في أمر المسلمين بالقتال في الأشهر الحرم بهذه الآية، وذلك أن المشركين قاتلوهم في ذي القعدة عام الحديبية، فقيل لهم عند خروجهم لعمرة القضاء وكراهيتهم القتال في الأشهر الحرم: الشهر الحرام بالشهر الحرام، وهتكه بهتكه، والقتال فيه كالقتال في السابق، والحرمات التي يجب المحافظة عليها واجب فيها القصاص والأخذ بالمثل، فالممنوع الحرب الهجومية والبدء بالقتال، أما الدفاع والأخذ بالثأر فليس ممنوعا.
فمن اعتدى عليكم بحرب أو غيره فجازوه بمثله، واعتدوا عليه اعتداء مماثلا، واتقوا الله ولا تظلموا، ولا تعتدوا، واعلموا أن الله مع المتقين بالمثوبة والتأييد والنصر: إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا (سورة الحج: 38) .
والقتال في سبيل الله يتوقف- كغيره- على المال، ولذلك أمرهم الله بالإنفاق في سبيله إذ الإنفاق في الحروب وسيلة النصر وطريق الفوز، واحذروا عدم الإنفاق فإنه مهلكة للأمة مضيعة للجماعة، ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى الهلاك بالإمساك وعدم الإنفاق، وكذلك الدخول في الحرب بغير بصيرة ولا استعداد، بل أنفقوا المال وأعدوا الرجال، وحصنوا أنفسكم بالعلم والخلق، وأبعدوا ضعفاء النفوس الذين يقبلون الرشوة ويبيعون الأمة والجيش لقاء مال زائل وعرض فان، فهؤلاء أشد خطرا من العدو، وأحسنوا كل شيء يتعلق بالحرب، واعلموا أن الله يحب المحسنين ويجازيهم أحسن الجزاء.