الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنعيمها فان وزائل. ولا تنس أن السورة كلها تدور حول غريزة حب المال وأثرها في القديم مع أمم الأنبياء، ومع المؤمنين في غزوة بدر وأحد.
المعنى:
لا يغرنك ما ترى من هؤلاء الكفار وتقلبهم في الدنيا وتجارتهم ومكاسبهم فإنه متاع زائل وعرض فإن، وكل زائل قليل، ومثله لا يعتد به ولا ينظر إليه فإن مأواهم ونهايتهم جهنم وبئس ما مهدوا لأنفسهم وأعدوا لها بما جنته أيديهم، فاستحقوا غضب الله عليهم غضبا سرمديا لا نهاية له ولا أمد حيث شاء الله.
روى أن بعض المؤمنين قال: إن بعض أعداء الله فيما نرى من الخير، وقد هلكنا من الجوع والجهد، فنزلت هذه الآية.
ثم بعد أن بين الله حال الكفار ومآل أمرهم في الآخرة أردف ذلك ببيان حال المؤمنين في الدنيا والآخرة ليظهر الفرق جليا وليعرف المسلمون أنهم ليسوا مغبونين في شيء لكن الذين اتقوا ربهم بفعل الطاعات واجتناب المنهيات لهم جنات المأوى تجرى من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها، تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار.
وما عند الله بعد هذا خير للأبرار الذين فعلوا البر وأخلصوا فيه وأى خير بجانب ما أعد لهم؟!! فالخيرية ليست على بابها، أى: ما أعد للمؤمنين المتقين هو خير، وما سواه مما أعد للكفار شر.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف 107] الآية الكريمة حيث قال الله: نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أشار إلى أن المؤمن في الآخرة ضيف على كريم يداه مبسوطتان بالخير، قوى قادر على كل شيء، ملك الملوك، وانظر إلى الكرامة التي خصوا بها من النزل من عند الله.
وقد عرفت حال الكفار الذين ماتوا على كفرهم وظلموا معاندين، أما من أسلم منهم كعبد الله بن سلام أو من أسلم من نصارى نجران أو النجاشيّ عظيم الحبشة فالآية تحتمل كل هذا، وإن من أهل الكتاب الذين آمنوا بالله إيمانا حقيقيا خالصا لا نفاق فيه
ولا شبهة، لهم الأجر الكامل عند ربهم، وقد وصفهم الله بأوصاف هي:
1-
الإيمان بالله إيمانا صادقا خالصا.
2-
الإيمان بالقرآن المنزل عليكم ولا شك أنه الأساس لما أتى بعده، وهو الحق الذي لا شبهة فيه ولا تحريف.
3-
الإيمان بما أنزل إليهم من التوراة والإنجيل وإن يكن فيه تحريف، أى: أنهم كانوا مؤمنين به فأرواحهم طاهرة نقية، ولا شك أن من يؤمن بالكتب السماوية إيمانا حقيقيا ويترك العناد والحسد والبغضاء والكذب على الله لا بد وأن يؤمن بالقرآن والنبي.
4-
الخشوع لله والخضوع له، وهو ثمرة الإيمان الصحيح ومتى كان القلب خاشعا ممتلئا بخوف الله خضعت له جميع الجوارح «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، ألا وهي القلب» «1» .
وإذا حلّت الهداية قلبا
…
نشطت في العبادة الأعضاء
5-
ومتى جمعوا تلك الصفات استحال عليهم أن يشتروا بآيات الله ثمنا قليلا من أعراض الدنيا الفانية، هؤلاء الموصوفون بما ذكر البعيدون في درجة الكمال لهم أجرهم الكامل عند من؟ عند ربهم الذي تولاهم وهداهم ووفقهم، يؤتيهم أجرهم مرتين، ويعطيهم من رحمته كفلين.
إن الله سريع الحساب يحاسب الكل ويجازى الكل في أقل من لمح البصر، وقد ختم الله السورة بهذه النصيحة الغالية للمؤمنين التي تنفعهم في الدنيا والآخرة بقوله:
يا أيها الذين آمنوا: اصبروا على تكاليف الدين وعلى ما يلمّ بكم من المصائب والشدائد، وصابروا الكفار واغلبوهم في الصبر فتكونوا أكثر تحملا لشدائد الحروب وضرائها، وخص المصابرة بالذكر لأهمّيّتها وخطرها، ورابطوا عند الثغور وخاصة بالخيل وما يلائم قوة الكفار في كل عصر وزمن.
واتقوا الله وخافوه واحذروه وراقبوه في السر والعلن لعلكم تفلحون. ولا شك أن من يبذل هذه التضحية ويبالغ فيها كأنه يرجو فلاحا، والصبر والمصابرة ومغالبة الأعداء
(1) أخرجه البخاري باب الايمان باب فضل من استبرأ لدينه رقم 52.
فلاح في الدنيا والآخرة ويكون بقصد إقامة الحق والعدل، وإعلاء كلمة الله، وفقنا الله جميعا للخير والفلاح.
هذه سورة آل عمران!! أرأيت فيها غير تكوين العقيدة الإسلامية الصحيحة بمناقشته أهل الكتاب- وخاصة المسيحيين- في عقائدهم؟! أرأيت فيها غير تكوين الفرد المسلم والمجتمع المسلم في السلم والحرب؟ لم يكن فيها- علم الله- غير هذا!!