الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
تَعالَوْا: أقبلوا، والأصل أن يقوله من كان في مكان عال لمن هو أسفل منه، ثم كثر واتسع فيه حتى عم. أَتْلُ: أقرأ. إِمْلاقٍ: فقر. الْفَواحِشَ:
ما عظم جرمه وذنبه، كالكبائر أو الخطيئة التي بلغت الغاية في الفحش. أَشُدَّهُ
:
كمال رجولته، وتمام حنكته ومعرفته.
المعنى:
لما بيّن الله- سبحانه وتعالى فساد رأى المشركين فيما أحلوا وحرموا، وبين المحرمات شرعا- بالإجمال- في الطعام، أخذ في هذه الآية يبين أصول الفضائل، وأنواع البر، وأصول المحرمات والكبائر، ليعلم الناس أسس هذا الدين؟ وكيف دعا إلى الخير والبر، من أربعة عشر قرنا؟ في وقت سادت فيه الجاهلية الجهلاء، والضلالة العمياء!! أليست هذه الآيات من دلائل الإعجاز وعلامات صدق النبي صلى الله عليه وسلم؟
قل لهم: أقبلوا علىّ واحضروا، أقرأ عليكم الذي حرمه ربكم لتجتنبوه وتتمسكوا بضده، أقبلوا على أيها القوم. لتروا ما حرّم عليكم من ربكم، الذي له وحده حق التشريع والتحليل والتحريم، وأنا رسوله ومبلغ عنه فقط، تقدموا واقرءوا حقا يقينا لا شك فيه، كما أوحى إلىّ ربي، لا ظنّا ولا كذبا- كما زعمتم- وها هي ذي الوصايا العشر: خمس بصيغة النهى، وخمس بصيغة الأمر.
1-
الإيمان بالله وعدم الإشراك به أساس الإسلام ولبه، ودعامته وروحه، ولذا بدأ به: ألا تشركوا بالله شيئا من مخلوقاته، وإن عظم في الخلق والشكل كالشمس والقمر، أو في المكانة كالملائكة والنبيين، فالكل- مهما كان- مخلوق مسخر له تعالى:
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً «1» فيجب عليكم أن تخصوه وحده بالعبادة والتعظيم الحقيقي، والتقديس والدعاء والإجلال: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [سورة الإسراء آية 44] .
2-
وبالوالدين إحسانا: أى أحسنوا إلى الوالدين إحسانا كاملا، بإخلاص لله سبحانه، فما بالكم بالإساءة مهما قلت؟! وأما العقوق فكبيرة من الكبائر، والقرآن الكريم قرن الأمر بعبادة الله بالإحسان للوالدين، وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً «2» . أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ «3»
ولقد روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أى العمل أفضل؟ قال: «الصلاة لوقتها» .
قلت: ثم أى؟ قال: «بر الوالدين» قلت: ثم أى؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» .
وهذا دليل على عظم العناية بحقوقهما وعلى أن مكانتهما تستحق ذلك، فهما قد خلقا الجسم في الظاهر، والله سبحانه هو الخالق حقيقة وفي الواقع
…
والمراد بالإحسان إليهما معاملتهما معاملة كريمة، معاملة مبنية على العطف والمحبة، لا الخوف والرهبة، فبرهما سلف لك ودين،
فقد ورد في الحديث «بروا آباءكم تبركم أبناؤكم»
. وأنت في شبابك قد لا تحتاج إلى الغير. ولكن في كبرك محتاج إلى من يعينك، ويقوم بأمورك، ومحبة الوالد لولده غريزة من الغرائز، فلم يوص عليها الشرع، ومحبة الولد لوالديه جزاء ومكافأة لهما، ولذا نبه القرآن عليهما وشدد، على أن عقوق الوالدين يفسد الأبناء وتكوينهم وينشئهم على الغلظة وعدم الشفقة، وعلى الوالدين حسن الرعاية والعناية والعطف عليهم، وعدم التحكم في المسائل الشخصية الخاصة إلا بقدر محدود.
3-
ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم: أليس وأد البنات، وقتل الذكور سبة وعارا؟ أليس دليلا على الجاهلية والقسوة بل ومنتهى الغلظة؟ التي تخالف غرائز الإنسان وطبائعه؟ ولم تقتلون؟ ألفقر حاصل؟ أم لفقر متوقع؟ أم لعار سيلحق؟ فالله يرزقكم وإياهم، فلا تخافوا الفقر الحاصل والله يرزقهم وإياكم، فلا تخشوا الفقر المتوقع، وأما العار خوف الفضيحة، فيرجع إلى البيئة وحسن التنشئة.
4-
ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن: نعم لا تأتوا الفواحش وما عظم جرمه وإثمه، بل ولا تأخذوا بأسبابه، ولا تقربوا من مقدماته، ومن هنا كان النظر إلى
(1) سورة مريم آية 93.
(2)
سورة الإسراء آية 23.
(3)
سورة لقمان آية 14.
الأجنبية والاختلاط بها حراما، لأنه مقدمة للزنا والباب إليه، ونحن منهيون عن القرب من الفواحش- كالزنا وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات- سواء ما ظهر منها، وما بطن، وكانوا في الجاهلية لا يرون بأسا في الزنا سرا، أما في العلانية فكانوا يعدونه قبيحا، فحرم الله النوعين،
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أحد أغير من الله، حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن» .
5-
ولا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، فالقتل جريمة كبرى، واعتداء شنيع على صنع الخالق الذي أتقن كل شيء خلقه، ومن هنا كان من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله- سبحانه وتعالى
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله»
،
وفي الحديث: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاثة أمور: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير حق»
فكل نفس مسلمة قتلها حرام إلا إن ارتكبت إحدى ثلاث، الزنا مع الإحصان، والقتل عمدا، والردة عن الإسلام، وأما الكافر والمعاهد المقيم بيننا فله حرمة، فلا يقتل ما دام لم تكن منه إساءة للدين من قرب أو بعد، أو إساءة للوطن كذلك، ذلكم وصاكم به الله، وأرشدكم، لتعقلوا الخير والمنفعة في فعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، إذ هو مما تدركه العقول، وفي هذا تعريض بأن ما هم عليه لا يعقل له معنى، ولا تظهر له فائدة عند ذوى العقول الراجحة.
6-
ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، ولا تأكلوا من ماله إذا تعاملتم معه إلا على الصورة التي هي أحسن في حفظ ماله وتثميره، والإنفاق منه على تربيته وتعليمه، وما به يصلح معاشه، والنهى عن القرب عن الشيء أبلغ من النهى عن الشيء نفسه، لا تقربوه حتى يبلغ أشده. أى: حتى يبلغ مبلغ الرجال. ويصير ذا حنكة وتجربة تمكنه من إدارة ماله. على وجه حسن. ويكون ذلك عادة بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة. فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ [سورة النساء آية 6] .
7، 8- وأوفوا الكيل والميزان بالقسط، نعم أوفوا الكيل إذا كلتم، أى: إذا بعتم أو اشتريتم، وكذلك زنوا بالقسطاس المستقيم في البيع والشراء، فالتطفيف في الكيل والزيادة في الوزن والنقص فيهما كل ذلك من الكبائر، لما يترتب عليه من هضم
للحقوق وضياع للأموال، واعتداء على الغير بوجه غير مشروع: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ. أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ. لِيَوْمٍ عَظِيمٍ. يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ.
لا نكلف نفسا إلا وسعها وجهدها وطاقتها، فهذه الوصايا كلها في مقدور المؤمن العادي، وأما خصوص الكيل والميزان، فالمأمور به ما يدخل تحت وسعه وإمكانه، وما عداه فمعفو عنه.
9-
وإذا قلتم فاعدلوا، ولو كان ذا قربى، أى: فاعدلوا في القول ولا تتجاوزوا فيه الحد المقبول شرعا، ولو كان الذي تقولون فيه من ذوى القربى. إذ بالعدل تبنى أسس الدولة، وتصلح شئون الأمم والأفراد. فهو ركن العمران، وأساس النجاح: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [سورة المائدة آية 8] .
10-
وبعهد الله أوفوا: أى وأوفوا بعهد الله إذا تعاهدتم، سواء أكان عهدا بين الله والناس على ألسنة الرسل في الكتب المنزلة، أو بين الناس وبعضهم: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ
وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا. أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ ذلكم وصاكم الله بهذا لعلكم تذكرون وتتعظون، أى:
رجاء أن يذكره بعضكم لبعض في التعليم والتواصي الذي أمر الله به.
وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، نعم هذا هو القرآن الذي أدعوكم إليه. صراط الله المستقيم، الذي لا عوج فيه، بل فيه سعادة الدنيا والآخرة وهو حبل الله المتين، من تمسك به نجا، ومن اعتصم به هدى، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ولا تتبعوا السبل فتضلوا عن طريق الحق والخير:
«ولقد خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيما، ثم خط خطوطا أخرى عن يمين ذلك الخط وعن شماله، ثم قال: وهذه السبل، ليس فيها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ.
نعم الحق واحد، والنور واحد، والإله واحد، والباطل متعدد الألوان والأشكال، والظلمات كثيرة الأنواع: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ. قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ولا تتبعوا