الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
يُؤْذُونَ الأذى: ما يؤلم الإنسان في نفسه أو ماله أو بدنه قليلا كان أو كثيرا.
أُذُنٌ: هذا من باب تسمية الإنسان باسم جزء منه للمبالغة في وصفه بوظيفته، كما قالوا للجاسوس: عين. يُحادِدِ اللَّهَ المحادة كالمعاداة مأخوذة من الحد، أى:
طرف الشيء، وهكذا كل عدو يكون في ناحية وشق بالنسبة لخصمه وعدوه.
يَحْذَرُ الحذر: الخوف في المستقبل من شيء خاص. مُخْرِجٌ الإخراج:
يشمل إظهار مكنون الصدور وإخراج الحب من الأرض، والنفي من الوطن.
نَخُوضُ الخوض: خاص بالعمل الباطل لا الحق لأنه مأخوذ من الخوض في البحر أو الوحل، والمراد: الإكثار من العمل الذي لا ينفع. بِخَلاقِهِمْ الخلاق:
النصيب. حَبِطَتْ: بطلت. الْمُؤْتَفِكاتِ: جمع مؤتفكة، من الائتفاك:
وهو الانقلاب والخسف، والمراد أصحاب قرى قوم لوط.
هذا لون آخر من ألوان نفاقهم ذكر مناسبا لذكر لمزهم عليه ونقدهم له في تقسيم الغنائم والصدقات.
وكذا بيان عام لأصل النفاق مع ذكر جزائه في الدنيا والآخرة وضرب الأمثال بحالهم وحال من تقدمهم على أن المنافقين في العصر الإسلامى الأول ضربوا الرقم القياسي في النفاق.
المعنى:
وبعض هؤلاء المنافقين الذين يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم، ويصفونه بصفات تتنافى مع نبوته ورسالته، وشهادة الحق له بأنه على خلق عظيم وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [سورة القلم آية 4] وهكذا عمل المنافقين دائما خارج عن حدود العقل والواقع.
يقولون في شأن النبي صلى الله عليه وسلم: هو أذن يسمع كل ما يقال له، ويصدقه، ويرمون إلى أنه لا يميز بين هذا وذاك، كبرت كلمة تخرج من أفواههم، وإنما هو النبي الكريم صاحب الخلق الكامل والإحساس العالي لا يجابه أحدا بما يؤلمه، ولا ينقد أحدا بما يؤذيه، بل يقول دائما: ما بال قوم؟ ما بال رجال؟ وقد كان صلى الله عليه وسلم يعامل المنافقين
بظاهر حالهم، ويجرى عليهم أحكام الشريعة وآدابها التي يعامل بها الناس، ولقد رد الله عليهم ولقنه الجواب: قل: هو أذن خير لا أذن شر كما تعلمون!! فهو لا يقبل مما يسمعه إلا الخير وما وافق الشرع، ولا يسمع الباطل، ولا الغيبة ولا النميمة ولا الجدل ولا المراء.
ثم فسر المراد بأذن خير.. بأنه يؤمن بالله وما يوحيه إليه من أخبار الغيب وأسرار السماء وبما يوحى إليه من أخباركم وأخبار غيركم: ويؤمن للمؤمنين إيمان جنوح وميل وائتمان للمهاجرين والأنصار وصادقي الإيمان، أما المنافقون فلا يميل لهم ولا يصدق خبرهم وفي هذا تهديد لهم بأن الله ينبئه بأسرارهم وأخبارهم يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ [سورة التوبة آية 64] .
وهم رحمة للمؤمنين فقد هداهم إلى سعادة الدنيا والآخرة، وفي قوله: مِنْكُمْ إشارة إلى أن منهم من يدعى الإيمان وهو كاذب فيه، وإشارة إلى أنه عالم أن فيهم المنافقين، ولكن لحسن خلقه يعاملهم بالحسنى حتى يؤذن بغيرها.
والذين يؤذون رسول الله في كل ما يتعلق بالرسالة كوصفه بالسحر والكذب، وعدم الفطنة
…
إلخ لهم عذاب أليم، إذ هم كفروا بهذا، أما الإيذاء الخفيف فيما يتعلق بشخصه فحرام فقط مع أنه لا يصدر من مؤمن أبدا، وإيذاء أهل بيته حرام كذلك.
إن من عادة المنافقين، والكاذبين، ومن يرتكبون جرما أن يشعروا بحرج موقفهم، وكأن الناس جميعا مطلعون عليهم عالمون بأحوالهم، ولذلك تراهم يكثرون من الحلف حتى تبتعد عنهم الشبهة المحيطة بهم، وقد كان المنافقون كثيرا ما يحلفون، ويعتذرون والله يعلم إنهم لكاذبون!! يحلفون لكم أيها المؤمنون أنهم براء مما نسب إليهم قولا وفعلا ليرضوكم فتطمئنوا لهم وتثقوا فيهم، وقد فهموا أنهم بهذا يضمونكم لصفوفهم.
فيرد الله عليهم ويكشف سترهم حيث يقول: يحلفون لكم ليرضوكم والحال أن الله ورسوله أحق بالإرضاء من المؤمنين، وإرضاء الله ورسوله بالإيمان الصادق والعمل الكامل، والبعد عن النفاق، وقد أفرد الضمير أَنْ يُرْضُوهُ ليعلموا أن رضاء الرسول رضاء الله مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ هذا إن كانوا مؤمنين حقا إذ علامة الإيمان ثقة بالله وحب له ولرسوله، والعمل على رضاهما بامتثال الأمر واجتناب النهى:
«ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما
سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» (حديث شريف) .
ألم يعلموا أنه من يحادّ الله ورسوله، حتى يكون في جانب والله ورسوله في جانب آخر؟ فإن له نار جهنم يصلاها وبئس القرار قراره، له نار جهنم خالدا فيها وذلك هو الخزي العظيم، والنكال والذل المهين.
والمنافقون مذبذبون بين الإيمان والكفر، شاكّون مرتابون في الوحى وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا الشك والارتياب يدعوهم إلى الحذر والإشفاق. بل هو لازم له، إذ لو كانوا موقنين بكذب الرسول لما جاءهم الحذر، ولو كانوا مؤمنين حقا لما كان لهذا الخوف والحذر محل، لهذا يصفهم القرآن بقوله: يحذر المنافقون أن تنزل على المؤمنين سورة كاشفة لهم، فاضحة أستارهم، مبينة نفاقهم، كهذه السورة، ولذلك سميت الكاشفة والفاضحة.
يحذرون من سورة تنبئهم بما في قلوبهم! والمراد اللازم وهو فضيحتهم وكشف عورتهم وبيان شكهم وارتيابهم، وتربصهم الدوائر بالمسلمين وإنذارهم بما قد يترتب على ذلك من عقابهم، وقد كان المنافقون دائمى الاستهزاء بالنبي والمؤمنين كما مر إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ ولذلك يأمر الله نبيه بأن يقول لهم: قل استهزءوا كما تشاءون، وهذا تهديد لهم شديد، ووعيد عليه، إن الله مخرج ما تحذرون إخراجه من مخبئات الضمير، ومكنونات الصدور، وقد حصل ذلك وظهر نفاقهم لكل الناس.
روى عن قتادة: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته إلى تبوك وبين يديه أناس من المنافقين: فقالوا: أيرجو هذا الرجل أن يفتح له قصور الشام وحصونها؟ هيهات!! فأطلع الله نبيه على ذلك فقال: احبسوا على هؤلاء الركب فأتاهم فقال: قلتم كذا قلتم كذا؟ قالوا: يا نبي الله: إنما كنا نخوض ونلعب فأنزل الله فيهم هذه الآية
على طريقة القسم للتأكيد، ولئن سألتهم عن أقوالهم التي يقولونها نفاقا من وراء الرسول ليقولن:
إنا كنا غير جادين، ومنكرين بل هازلين لاعبين، وهذا كفر محض فإن من يهزأ بالله ورسوله فهو كافر بها.
قل لهم: ألم تجدوا ما تستهزءون به في خوضكم ولعبكم إلا الله وآياته ورسوله فقصرتم الهزء عليهم ثم تظنون أن هذا عذر مقبول فتتكلمون به بلا حياء ولا خوف،
ولكن المنافقين لا يفقهون!!! لا تعتذروا أبدا بهذا أو بغيره قد كفرتم بعد إيمانكم في الظاهر، وظهر أمركم وبدا الصبح لذي عينين.
الآية صريحة في أن الخوض في كتاب الله ورسوله وصفاته- سبحانه وتعالى كفر حقيقى.
إن نعف عن طائفة منكم ونقبل توبتها الخالصة نعذب طائفة أخرى لإصرارها على النفاق وارتكابها الآثام لأنهم كانوا مجرمين..
المنافقون والمنافقات بعضهم يشبه بعضا، وهم ذرية بعضها من بعض فهم متشابهون وصفا وعملا، ذكرا وأنثى، وهذا دليل على تأصل الداء وتمكنه من نفوسهم حتى صار كالغرائز الموروثة، ثم بين الله وجه الشبه فقال: هم يأمرون بكل منكر ويدعون إليه، والمنكر: ما أنكره الطبع السليم، والعقل الراجح وما نهى عنه الشرع الشريف، وينهون عن المعروف شرعا وعقلا وطبعا، ألا لعنة الله عليهم!! ويقبضون أيديهم عن الإنفاق، ويبخلون بمالهم عن الجهاد، وهذا من أهم علامات النفاق
ولقد ورد في الحديث: «آية المنافق ثلاث: إذ حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان»
وفي رواية «إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»
وهكذا النفاق أسّ الشر وأصل البلاء، ومجمع كل رذيلة في الوجود.
نسوا الله فأنساهم أنفسهم، نسوا التقرب إليه، ونسوا جلاله وعظمته وشرعه وآياته وحسابه وعقابه فنسيهم وجزاهم على عملهم فحرمهم من حبه وذكره والتمتع بدينه وآياته والإنفاق في سبيله، وحرمهم من الثواب والرضوان، أولئك حبطت أعمالهم وأولئك هم الخاسرون.
إن المنافقين هم الفاسقون الخارجون عن حدود العقل والدين والمصلحة العامة والخاصة هم الفاسقون لا غير.
أما ما أعد لهم من عقاب وجزاء فها هو ذا، وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار وعدهم نار جهنم خالدين فيها وفي ذكر الرجال منهم والنساء دليل على عموم الوصف
وتأصل الداء، وتأخير ذكر الكفار دليل على أن النفاق أخطر من الكفر الصريح، ثم لم يكتف بهذا بل زاد في عقابهم والتنكيل بهم ثلاثا. هي حسبهم، نعم وفي جهنم جزاء يكفيهم عقابا لهم، ولعنهم في الدنيا والآخرة، وطردهم من رحمته وتوفيقه في الدنيا، وفي الآخرة لهم العذاب الشديد، عذاب مقيم ثابت لا يتحول ولا يزول، ويظهر- والله أعلم- أن القرآن يريد أن يوفيهم العذاب الحسى والمعنوي الذي يتكافأ مع نفاقهم وعملهم.
ثم خاطب الله- سبحانه- المنافقين المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بقوله: أنتم أيها المنافقون الذين آذيتم الله ورسوله والمؤمنين كأولئك المنافقين السابقين مع أنبيائهم- وهكذا لا يخلو عصر من النفاق إذ هو مرض يصيب بعض النفوس- أنتم مثلهم مغرورون بمالكم مفتونون بأولادكم، ولكنهم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا، ولم يكن لهم في دنياهم إلا مطلب واحد هو المتاع الفاني، والعرض الزائل، والتمتع بالمال والولد، فكان نصيبهم نصيب الحيوان يتمتع ويأكل ويتناسل، فاستمتعتم بنصيبكم من المال والولد والعرض الزائل كاستمتاعهم بنصيبهم، لم تفضلوا عليهم بشيء من التمتع بكلام الله المحكم الذي نزل على خير الأنبياء وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فكنتم أجدر منهم بالملامة، وأحق بالعذاب والنكال.
فأنتم فعلتم الخبائث كما فعلوا مع توافر دواعي الشر عندهم. وتوافر دواعي الخير عندكم!!! وخضتم في حمأة الرذيلة والفسق كالخوض الذي خاضوه، وأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا وفسدت لأنها أعمال للرياء والسمعة وقد ظهر نفاقهم فيها، وفي الآخرة لهم العذاب الأليم لأن شرط الثواب عليها الإيمان، وهم لم يؤمنوا حقيقة بل نافقوا.
وأولئك هم الخاسرون، الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وقد ضل سعيهم في الدنيا والآخرة.
ألم يأتهم نبأ السابقين من قوم نوح وعاد وثمود، وقوم إبراهيم وأصحاب مدين وقوم لوط؟ والاستفهام للتقرير والتوبيخ.
هؤلاء أتتهم رسلهم بالبينات فأعرضوا وكذبوا، فجاءهم العذاب كالطوفان الذي