الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
جَهْرَةً المراد: رؤية جهرة. الصَّاعِقَةُ: نار تنزل من السماء، والظاهر أنها الشرارة الكهربائية التي تظهر في السماء. الْبَيِّناتُ: الدلائل الواضحة على نبوة موسى: كفلق البحر، واليد البيضاء، والعصا. الطُّورَ: اسم الجبل الذي كانوا مقيمين أسفله. سُجَّداً المراد: خاضعين متذللين. لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ: لا تتجاوزوا ما أبيح لكم، أو لا تظلموا أنفسكم بالصيد فيه.
غُلْفٌ: جمع غلاف، وهو الظرف، والمراد: أوعية العلم فليست في حاجة إلى ما نقول، ويصح أن يكون جمع أغلف، والمراد: مغطاة بأغطية خلقية لا يصل إليها شيء مما نقول. طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها: ختم عليها بالخاتم.
وقيل صارت كالنقود المسكوكة فلا تقبل غير النقش الذي عليها. بُهْتاناً:
كذبا يبهت صاحبه عند سماعه ويتعجب منه.
المعنى:
يسألك أهل الكتاب من اليهود أن تنزل عليهم كتابا مكتوبا بخط سماوي يشهد أنك رسول الله إليهم، وقيل: ينزل باسم جماعتهم أو أسماء الأحبار منهم، وهذا الطلب دليل على عدم فهمهم حقيقة الرسالة وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ
لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ
«1» يسألك هؤلاء اليهود على سبيل التعنت والتعجيز، ولا تعجب أيها الرسول من سؤالهم ولا تستكثره عليهم فقد سألوا موسى قديما أكبر من هذا، وقالوا: أرنا الله رؤية جهرة عيانا بلا حاجز ولا حجاب، وقد مر كثيرا أن فعل آبائهم ينسب إلى المعاصرين منهم، لأنهم وارثوهم ومقلدوهم ومعتزون بهم، ولا تنس مبدأ تكافل الأمة الواحدة، وقيل: إن أهل الكتاب جنس عام يدخل فيه المعاصرون وآباؤهم
…
وسؤالهم رؤية الله عيانا يدل على جهلهم بالله وما يجب له من صفات الكمال، إذ كيف تحيط به الأبصار والعيون؟ لذا كان أكبر جرما من سؤالهم كتابا من السماء، وقد عوقبوا على هذا الطلب بنزول الصاعقة وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [البقرة 55] .
ثم هم بعد أن ماتوا بالصاعقة أحياهم الله فاتخذوا العجل إلها من بعد ما جاءتهم الآيات البينات الواضحات، كالعصا وفلق البحر وغيرها من الحجج القوية التي تثبت الألوهية والوحدانية لله- سبحانه وتعالى فعفونا عن ذلك الذنب حين تابوا منه تلك التوبة النصوح، وآتينا موسى سلطانا مبينا وحجة قوية حيث طلب منهم القتل فقتلوا أنفسهم وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [سورة البقرة آية 54] .
ومن عجائب أحوالهم أن الله أخذ عليهم الميثاق. وكلفهم بالشريعة ورفع فوقهم الطور بسبب هذا الميثاق ليأخذوه بقوة ونشاط. وقد كان رفع الطور فوقهم من الآيات الكونية، حتى يؤمنوا، ولكنهم اليهود وكفى!! وقلنا لهم: ادخلوا باب القرية (والله أعلم بها) خاضعين لله متذللين له ذلة وانكسارا لعظمته وجبروته، وقلنا لهم، لا تتجاوزوا الحدود المرسومة لكم، ولا تصطادوا يوم السبت- وقد كانت حيتانهم تأتيهم يوم سبتهم شرعا- ابتلاء لهم واختبارا، فظلموا أنفسهم واصطادوا فيه وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ [البقرة 65] . وأخذنا منهم ميثاقا شديدا ليأخذنّ التوراة بقوة وجد،
(1) سورة الأنعام الآية 7.
وليعملن بها، ولا يكتمون بشارة عيسى ابن مريم ومحمد صلى الله عليه وسلم
روى أنهم بعد ما قبلوا ما كلفوا به من الدين أعطوا الميثاق على أنهم إن هموا بالرجوع عنه فالله يعذبهم بأى نوع من العذاب وهذا هو الميثاق المؤكد.
ثم انظر بعد هذا الميثاق المؤكد والعقود الموثقة ماذا هم فاعلون؟؟
لقد سجل القرآن عليهم هنا أقبح المخالفات وأشد العناد فقال ما معناه: فبسبب نقضهم الميثاق الذي واثقهم الله عليه، فقد أحلوا حرامه وحرموا حلاله، وبكفرهم بآيات الله التي أراهم منها ما لم ير سواهم، وبسبب قتلهم الأنبياء بغير ذنب إلا أنهم قالوا: ربنا الله، قتلوهم بغير حق كزكريا ويحيى- عليهما السلام وبسبب قولهم:
قلوبنا في غلاف فلا يصل إليها شيء مما تدعون إليه، أو هي أوعية مليئة بالعلم فليست في حاجة إلى شيء!! لا بل طبع الله على قلوبهم بكفرهم وختم عليها فلا يصل إليها نور الهدى فهي كالنقود المضروبة لا تقبل نقشا آخر، ولذلك فهم لا يؤمنون إلا قليلا منهم كعبد الله بن سلام وأضرابه.
وبكفرهم بعيسى والإنجيل ورميهم بالفاحشة مريم البتول رموها بيوسف النجار وكان صالحا فيهم، ولا شك أن هذا بهتان يبهت من يقال فيه ويدهش عند سماعه لبعده عن الحق وغرابته، وبادعائهم أنهم قتلوا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ووصفهم له بالرسالة تهكما به ووصف القرآن له بأن ابن مريم رسول الله للرد على من يزعم من النصارى أنه الإله أو ابنه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وما قتلوه، وما صلبوه: كما زعموا وادعوا وشاع بينهم ولكن وقع لهم الشبه فظنوا أنهم صلبوه والواقع أنهم صلبوا شخصا غيره.. وكيف يقتل عيسى والله قد عصم أولى العزم من الرسل جميعا فنجى نوحا من الغرق، وإبراهيم من النار، وموسى من فرعون، وعيسى من اليهود، ومحمدا من المشركين.
وإن الذين اختلفوا في شأن عيسى من أهل الكتاب لفي شك منه وحيرة، ما لهم به من علم قاطع بقتله، لكنهم يتبعون الظن والشك في أمره، ويرجحون هذا على ذلك بالظنون والشبه لا بالعلم القاطع.
وفي الأناجيل المعتمدة عند النصارى، أنه قال لتلاميذه والمقربين إليه، وفي الليلة التي طلب فيها للقتل «كلكم تشكون في هذه الليلة» .