الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يملؤون العيون رهبة إذا اجتمعوا. اصْطَفاهُ: اختاره. بَسْطَةً: سعة.
التَّابُوتُ: الصندوق المحفوظ فيه التوراة،
ويروى أنه مصنوع من خشب مموه بالذهب
. سَكِينَةٌ: فيه شيء تسكن به قلوبكم وتطمئن له. بَقِيَّةٌ الظاهر أنها قطع الألواح وعصا موسى وعمامة هارون. فَلَمَّا فَصَلَ أى: انفصل بهم عن البلد. مُبْتَلِيكُمْ: ممتحنكم. يَطْعَمْهُ: يذقه.
المعنى:
ألم ينته علمك إلى القوم من بنى إسرائيل؟ وقد وجدوا بعد موسى- عليه السلام حين قالوا لنبيهم، ولم يسمه القرآن، وقيل: إنه (صمويل) حين قالوا له: اختر لنا قائدا يقود زمامنا، ولا شك أن طرد العدو من البلاد قتال في سبيل الله.
ولكن نبيهم قد عرفهم معرفة المجرب الحكيم، فقال لهم: يا قوم أتوقع منكم عملا يخالف أقوالكم، والزمان كفيل بتصديق نظريتى أو تكذيبها، قالوا ردا عليه: وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله؟ أى شيء دهانا واستقر عندنا حتى لا نقاتل في سبيل الله؟ وهذا هو مقتضى القتال حاصل فقد أخرجنا من ديارنا وأموالنا ومنعنا من أبنائنا.
فلما فرض عليهم القتال كما طلبوا لم تكن الحوادث قد عركتهم ولم تكن نفوسهم طاهرة صادقة، ولم تكن أرواحهم قد ملئت بالنور والإيمان كما فهم فيهم نبيهم، ولذا تولوا وأعرضوا إلا قليلا منهم، وانتحلوا المعاذير وعللوا أنفسهم بالتعاليل. وهكذا الأمم الميتة، والله عليم بالظالمين لأنفسهم بتركهم الجهاد في سبيل الله دفاعا عن وطنهم وردّا لحقهم المغصوب.
وهذا تفصيل لما وقع بين النبي- عليه السلام وبين قومه حين طلبوا منه ملكا عليهم.
وقال لهم نبيهم: إن الله قد اختار لكم طالوت ملكا وقائدا فانظر إلى الأمم الضعيفة التي لم تشب بعد عن طوق الصبيان في التفكير فهي تشغل نفسها بالعرض عن الجوهر والشكل عن الموضوع أين هذا من الصحابة الأجلاء- رضى الله عنهم أجمعين- وقد
أمر عليهم أسامة بن زيد وهو شاب حدث، وفي الجيش أبو بكر وعمر وعلى وغيرهم!! ألا حيّا الله البطولة والرجولة!! وها نحن الآن نشغل أنفسنا برئيس الوزراء شغلا أكثر من شغلنا بأنفسنا ولا علينا بعد هذا شيء أقام الغاصب في بلادنا قرنا أم قرنين!! بماذا رد هؤلاء القوم على نبيهم؟ قالوا متعجبين لقصور عقولهم: كيف يكون ملكا علينا؟ ونحن أحق بالملك والرياسة منه إذ فينا الملك قديما، وطالوت فقير ليس غنيّا.
كأنهم فهموا أن الملك حق يورث وأن الغنى شرط أساسى فيه، فقال لهم نبيهم: إن الله قد اختاره واصطفاه وما عليكم إلا الامتثال فالله لا يختار إلا ما فيه الخير لكم وقد زاده الله بسطة في العلم حتى يكون واسع الإدراك نافذ البصيرة، وبسطة في الجسم حتى يقوى على القيادة وأعمال الحرب وحتى يكون مهابا يملأ العين والنظر، والله- سبحانه- يؤتى ملكه من يشاء فلا اعتراض عليه وهو أعلم بخلقه من يستحق ومن لا يستحق.
لم يقتنع القوم بما ساق لهم نبيهم من الحكمة في اختيار طالوت ملكا عليهم وظلوا معاندين، فأوحى الله إليه أن يسوق دليلا ماديا على صحة ملكه وقيادته، وآية ملكه أن يأتيكم التابوت- وقد كان له شأن في بنى إسرائيل عظيم ولما فرطوا أخذ منهم زمنا ثم جعل لهم نبيهم عودته في بيت طالوت دليلا من الله على صحة الملك- وفيه سر تسكن إليه نفوسكم وتطمئن إليه ضمائركم، خاصة عند ما تحملونه في القتال وفيه بقية مما ترك موسى وهارون، وسيأتى محمولا من الملائكة تشريفا وتكريما له، أفلا يدل كل هذا على أن الله اختار طالوت قائدا لكم ولكنهم اليهود قديما وحديثا هكذا يفعلون!! إن في ذلك القصص لعبرة وعظة وأى عبرة وعظة؟!! وفيه آية لكم أيها المخاطبون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقص عليكم هذا القصص وهو نبي عربي أمى لم يقرأ ولم يكتب فمن أين له هذا؟! وإذا علمت ما تقدم فلما انفصل طالوت بالجنود أراد أن يختبرهم بشيء ليعلم صدق نيتهم في القتال وهكذا القائد الحكيم إذ ظن في جنده ظنّا فاختبرهم ليقف على حالهم.
فقال لهم: إن الله مختبركم- وهو الأعلم بكم- بنهر يعترضنا في الطريق، فمن شرب منه فليس من أتباعى وأشياعى، ومن لم يتذوقه فإنه من حزبى وأنصارى إلا من
اغترف غرفة بيده، فكانت نتيجة الاختبار أن شربوا منه جميعا إلا قليلا منهم (إن الكرام قليل) . وهكذا من يحكم عقله في هواه ويؤمن بالله، فئة قليلة العدد كثيرة الإيمان والخطر، فأنت ترى أن مراتب الناس ثلاثة: منهم من شرب وعب بفمه، ومنهم من لم يتذوقه أصلا، ومنهم من اغترف بيده غرفة.
فلما جاوز النهر هو والذين معه من المؤمنين الصادقين (أما غيرهم فقد استهواهم الماء العذب فأخذوا يشربون ويطربون ثم لحقوا بهم آخر الأمر) .
قال بعض الجيش ممن شرب لما رأى جند الأعداء وكثرة عددهم وتفوقهم: لا قدرة لنا اليوم ولا طاقة بمحاربة الأعداء ومناضلتهم فضلا عن التغلب عليهم، وقال المؤمنون الذين يظنون أنهم ملاقو الله فمجازيهم على أعمالهم الذين ينتظرون إحدى الحسنيين: إما شهادة في سبيل الله، وإما نصر على الكافرين، فإن عاشوا عاشوا آمنين وإن ماتوا ماتوا شهداء مكرمين.
قالوا: لا تغرنكم أيها القوم كثرتهم، فكثيرا ما غلبت فئة قليلة العدد فئة كثيرة العدد غلبت بقوة إيمانها وإرادة ربها، وإذنه والله مع الصابرين بالتأكيد والمعونة وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا.
ولما ظهر طالوت ومن معه من المؤمنين لجالوت وجنوده وشاهدوا أمامهم من العدد والعدد وحانت ساعة الالتجاء إلى الله حقيقة حيث تتلاشى قوة البشر قالوا: ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. وهنا تجلت عظمة الله وقدرته بأجلى مظهر حتى يعتبر الناس ويتعظوا.
هزمت الفئة القليلة الفئة الكثيرة بإذن الله وإرادته وقتل داود (وكان فتى في الجيش قويّا جلدا) جالوت، وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء من العلوم إنه على كل شيء قدير.
والحرب سنّة طبيعية في الخلق من يوم أن اقتتل ابني آدم وهي على ما فيها من ضرر وخطر لا تخلو من نفع وخير إذ لولا أن الله يدفع الناس بعضهم ببعض، ويسلط جماعة على جماعة لفسدت الأرض وعمت الفوضى، وانتشر الظلم وهدّمت أماكن العبادة التي يذكر فيها اسم الله، ولكن الله ذو فضل على الناس جميعا حيث يسلط على الظالم من يبيده ويهلكه، فإذا نبت ظالم آخر أرسل له من يفتك به، وهكذا ينصر الله رسله بالغيب.
تلك آيات الله نتلوها عليك يا محمد دالة على صدقك وأنك رسول الله وخاتم الأنبياء والمرسلين، والله أعلم.