الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَوْلِكَ
: لتفرقوا من حولك. فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ التوكل: الاعتماد عليه.
يَغُلَّ الغل: الأخذ خفية كالسرقة، ثم شاع في الأخذ من الغنيمة قبل التقسيم.
السّخط: الغضب العظيم. مَأْواهُ: مصيره من: تفضل وأنعم.
أَنْفُسِهِمْ: جنسهم. يُزَكِّيهِمْ: يطهرهم من أدران الوثنية وزائف العقائد.
المناسبة:
نعمة تتلوا نعمة، وفضل يتلو فضلا من الله ورحمة، فقد عفا عنهم وتاب عليهم ووفقهم لما فيه خير الدنيا والآخرة، وبرحمته وفضله كانت أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم وحسن معاملته للناس وإرشادهم إلى الخير والفلاح.
المعنى:
خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم إثر خطاب المؤمنين، فبرحمته- تعالى- وهدايته كنت سهلا في معاملتهم، لينا في إرشادهم وهدايتهم وقبول عذرهم، فيما فرط منهم.
وهكذا كان الرسول مثلا أعلى للرئيس الحكيم والزعيم الموفق.
ولو كنت (لا قدر الله) سيّئ الخلق، ضيق العقل، فظا جافى القلب، غليظ الكبد ما اجتمعوا حولك، وما تعلقت قلوبهم بك وكيف هذا؟ وقد أرسلت رحمة للعالمين وشهد لك القرآن وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ سورة القلم آية 42 وإذا كنت- يا رسول الله- بهذا الوصف فاعف عنهم، وتجاوز عما يبدر منهم واطلب لهم المغفرة من الله إنه هو الغفور الرحيم، وشاورهم في أمور الدولة ونظام الجماعة في الحرب والسياسة والاقتصاد والاجتماع أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ.
أما أمور الدين فالقرآن هو الحكم وقد شهد لك بأنك لا تنطق عن الهوى، ولذا كانوا جميعا يقفون عند رأى النبي صلى الله عليه وسلم والوحى في الدين وأحكامه، والمراد: ذم على ما أنت عليه كما فعلت في بدر وأحد من مشاورة أصحابك، وإن حصل خطأ في بعض
الآراء فهو قليل إذ رأيان خير من رأى، والاستشارة من كمال العقل وبعد النظر وحسن السياسة.
ولذا كان رسول الله دائم الاستشارة في الأمور كلها.
فالحكومة الإسلامية حكومة شورية عادلة دستورها القرآن وهاديها المصطفى وسنته، وليست الحكومات العباسية والأموية وغيرها دليلا عليها بل هي ملك عضوض وحكومات مادية استبدادية لم تحكّم القرآن في كل مشكلاتها.
فإذا محص الرأى وظهر فانزل على حكم الأغلبية واعزم وسر على بركة الله واعتمد عليه وحده، فإن الإنسان مهما بعد نظره وحصف رأيه لا يرى من حجاب الغيب شيئا، وعلى الله فليتوكل المؤمنون فإنه هاديهم إلى الصراط المستقيم.
والتوكل على الله يكون بعد البحث والنظر واستقصاء الجزئيات التي مرت، فأنت مكلف بطرق الأسباب الظاهرة والطرق المنتجة غالبا وبعد هذا لا تعتقد أن هذه الأسباب مؤثرة بطبعها وأنك واصل قطعا إلى ما تحب، لا، اعتقد أن هناك قوة فوق القوى وإرادة فوق كل إرادة هي إرادة الله- سبحانه وتعالى فتوكل عليه واطلب منه التوفيق والسداد.
فالله إن ينصركم فلا غالب لكم أبدا: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ «1» .
وإن يخذلكم الله فمن ذا الذي ينصركم من بعده؟ لا أحد، وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون لأنه لا ناصر لهم سواه.
روى الكلبي ومقاتل: أنه قيل للرماة الذين تركوا أماكنهم يوم أحد: لم تركتم أماكنكم؟ فقالوا: نخشى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئا من مغنم فهو له وألا يقسم الغنائم كما لم يقسمها يوم بدر، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ألم أعهد إليكم ألا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمرى؟ فقالوا: تركنا بقية إخواننا وقوفا، فقال لهم: بلى ظننتم أننا نغل ولا نقسم.
إن الله قد عصم أنبياءه ورفع درجاتهم عن سفساف الأمور التي يترفع عنها متوسطو الناس، فما يصح ولا يليق بمكانة النبوة التي رفعها الله أن يأخذ نبي شيئا من الغنائم
(1) سورة محمد آية 7.
وكيف يكون ذلك؟ وهم المثل العليا في الخلق الكامل والأدب العالي، وهم يعرفون أن من يأخذ شيئا في الدنيا بغير حق يأثم يوم القيامة وقد تمثل له كأنه حاضر أمامه وشاهد عليه وعلى عمله يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ [سورة لقمان آية 16] .
ومعنى الإتيان: أن الله يعلمها حق العلم ضرورة أن من يأتى بالشيء يعرفه.
وبعض المفسرين يرى أن معنى الإتيان أن الذي غل يأتى يوم القيامة وقد حمل المسروق في عنقه واستدلوا على ذلك بعدة روايات يمكن تأويلها.
ثم توفى كل نفس يوم القيامة ما كسبت من خير أو شر وهم لا يظلمون وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [سورة الكهف آية 49] .
وإذا كانت كل نفس توفى أجرها كاملا من خير وشر فهل يعقل أن يسوى بين المحسن والمسيء؟ أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ «1» ؟ أفمن اتبع رضوان الله وعمل عملا صالحا وابتعد عن الغل والفحش والمنكر حتى كأن رضوان الله أمامه.
وقائده فلا يرى إلا حيث يرضى الله، ولا يكون حيث يغضب الله، أهذا يكون كمن رجع بغضب من الله يوازيه ويساوى ذنبه وجرمه، واتخذ غضب الله مكانا يبوء إليه ولا يتركه؟؟
أظن لا يسوى الله بين هذا وذاك!! إن كلا ممن اتبع رضوان الله من المؤمنين ومن باء بغضب الله الشديد لهم درجات ومنازل عند ربهم يوم القيامة فأعلى الدرجات: الرّفيق الأعلى درجة النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم وأسفلها الدرك الأسفل: درك أولئك المنافقين والمشركين والكافرين، ولا غرابة فالله بصير بما يعملون.
وكيف تظنون بنبيكم المصطفى هذه الظنون؟
ولقد منّ الله وتفضل به على الناس أجمع إذ أرسله رسولا ورحمة للعالمين ومنّ عليكم أنتم إذ أرسله من أنفسكم وجنسكم فهو عربي من ولد إسماعيل، وإذا كان كذلك كنتم أدرى الناس به وبخلقه وصدقه وطبعه ولسانه، وعلى هذا كنتم السابقين إلى الإسلام
(1) سورة السجدة آية 18.