الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
المص: هذه حروف تكتب كأنها كلمة، وعند القراءة تقرأ هكذا: ألف.
لام. ميم. صاد، وهي كغيرها مما افتتح به، كسورة البقرة وآل عمران.
حَرَجٌ: ضيق وألم. وَذِكْرى: تذكر نافع وموعظة حسنة. كم:
كلمة وضعت للتكثير. قَرْيَةٍ: هي مكان اجتماع الناس، وقيل تطلق على الناس أنفسهم. بَياتاً: ليلا، والمراد الإغارة على العدو ليلا، والإيقاع به على غرة.
بَأْسُنا: عذابنا وهلاكنا. قائِلُونَ: من القيلولة، وهي: استراحة وسط النهار، والمراد: نائمون في الظهيرة. دَعْواهُمْ: دعاؤهم وقولهم. فَلَنَقُصَّنَّ القص: تتبع الأثر بالعمل أو القول.
المعنى:
هكذا يبدأ الله- سبحانه وتعالى السور التي فيها إثبات الوحدانية والبعث، والنبوة والوحى، بهذا البدء العجيب لمعنى، الله أعلم به، وهو سر بين الله ورسوله أشبه شيء بالشفرة في العصر الحديث.
هذا كتاب عظيم الشأن، جليل الخطر، أنزل إليك يا محمد من عند ربك، فيه ما فيه من الخير والهداية، لتبشر به وتنذر، ولكن ستلقى إيذاء وشدة، ومقاومة وطعنا، وإعراضا وصدّا، وتلك أمور يضيق لها الصدر، وتحتاج إلى أعلى نوع في الصبر، وإذا كان الأمر كذلك فلا يكن في صدرك حرج من الإنذار به ومن تبليغه:
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ وعليك بالصبر والمثابرة: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ والمراد بهذا النهى الاجتهاد: في مقاومة الشدائد، والتسلي عنها بوعد الله، والتأسى بالرسل أولى العزم السابقين.
كتاب أنزل إليك لتنذر به الناس أجمعين، وتذكر به القوم الذين قدر لهم أن يكونوا مؤمنين، تذكرهم ذكرى نافعة مؤثرة.
قل لهم يا أيها الرسول: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم وخالقكم، ومتولى شئونكم بالعناية والرعاية، فإنه لا ينزل عليكم إلا الخير والسداد، والهدى والرشاد، ولا تتبعوا
من دون الله أولياء من أنفسكم وشياطينكم، الذين يوسوسون لكم بكل ضرر وخطر وضلال في العقيدة، وبدع في الدين، ويوهمونكم أن الأصنام شفعاء لله وشركاء، وما هي إلا أحجار لا تضر ولا تنفع، إنكم قليلا ما تتذكرون الواجب عليكم نحو الله سبحانه وتعالى.
كثير من القرى التي أرسلنا إليها رسلنا مبشرين ومنذرين، فعصوا رسلهم وخالفوا أمرهم، أردنا إهلاكهم، فجاءهم بأسنا وهلاكنا وهم في الليل آمنون، أو هم قائلون في القيلولة، أتاهم العذاب على غرة منهم، وهم آمنون مكر الله، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
فما كان دعاؤهم وقولهم حين جاءهم البأس والهلاك، إلا إقرارهم بالذنب وقولهم: إنا كنا ظالمين، ولكن هل ينفع الندم يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [سورة غافر آية 52] .
وفي هذه الآية عبرة وعظة لمن يعتبر.
عقاب الأفراد المذنبين قد يؤجله الله إلى أجل مسمى عنده، بمعنى أنه يمهل ولا يهمل حتى يكون انتقامه مرة واحدة، هذا إذا تمادى الشخص وأمعن في السوء والعصيان، وبالغ في الفسوق والخروج عن حدود الدين، والشخص قلما يعتبر بالحوادث وبما يصيبه من مصائب فيرعوى عن غيه ويدرك حقيقة نفسه، ويتوب إلى ربه.
وأما الأمم التي تفسد فعقابها سريع، وجزاؤها قريب ورادع، ولنا في عرش الملك السابق عبرة وعظة!! ولنا في العروش التي تلت والأمم التي أبيدت وأذلت أكبر شاهد ودليل.
إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد 11] . وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
[الإسراء 16] .
فاعتبروا يا أولى الأبصار، فإنما يتذكر أولوا الألباب!! إن ليوم القيامة مواقف تذهل فيها كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، منها أن الله- سبحانه وتعالى يسأل الذين أرسل إليهم الرسل ويقول لهم: ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص 65] ؟.
امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا
؟. [سورة الأنعام آية 130] فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ [سورة الحجر الآيتان 92 و 93] .
ومنها موقف لا يسأل فيه أحد عن ذنبه: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ [سورة الرحمن آية 39] .
والله- سبحانه وتعالى كما يسأل الناس يسأل الأنبياء والمرسلين: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ يسألهم عن تبليغهم الدعوة وعن إجابة أقوامهم لهم.
فلنقصن عليهم جميعا كل ما وقع وحصل للرسل منهم، وما حصل من الناس لهم، فلنقصن عليهم بعلم وإحاطة، إذ لا يعزب عنه مثقال ذرة، وإن تكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله، إن الله لطيف خبير وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً
وما كان الحق- جل شأنه- غائبا في وقت من الأوقات، وفي هذا إشارة إلى أن السؤال لم يكن عن جهل أو خفاء، بل عن علم وبينة وحضور، ولكنه للتوبيخ والتأنيب.
والوزن الحق والقسطاس العدل يومئذ، يوم تعرف الحقائق وتكشف الستائر ويحصّل ما في الصدور، وتبرز الأعمال كالغرض للسهام، فمن ثقلت موازينه وكثرت حسناته عن سيئاته فأولئك هم أصحاب الجنة وأولئك هم المفلحون.
ومن خفت موازينه وكثرت سيئاته عن حسناته فأولئك هم أصحاب النار، الذين خسروا أنفسهم واشتروا الضلالة بالهدى وأحبوا العمى والكفر، عن الرشاد والخير.
والخلاصة: أن المؤمن وإن عصى يدخل الجنة بعد ما يأخذ عذابه على سيئاته، والكافر الذي كذب بالآيات والرسل مهما فعل مأواه جهنم وبئس القرار.
وهل هناك ميزان حقيقة؟ ورد بذلك آثار كثيرة، أو هذا كناية عن تمام العلم والعدل والإحاطة والقدرة.
والأولى عند الإخبار بالمغيبات أن نؤمن بها كما جاء الكتاب أو الحديث الصحيح، ثم نكل أمرها وشكلها إلى الله، والله أعلم بذلك كله، على أن العلم الحديث جعل موازين لكل شيء في الكون، أفيكون كثيرا أن يضع الله ميزانا للأعمال والنوايا؟ وهو القادر على كل شيء.