الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
يَأْكُلُونَ: يأخذون، وعبر بالأكل عن الأخذ لأنه الغرض الأساسى منه، واللباس والانتفاع والنفقة داخلة فيه، وللإشارة إلى أن ما يأخذ لا يرجع أصلا.
الرِّبا في اللغة: الزيادة، وفي عرف الشرع يطلق على مال يؤخذ بلا عوض ولا وجه شرعي. يَتَخَبَّطُهُ الخبط: السير على غير هدى وبصيرة، ومنه قيل:
خبط عشواء. الْمَسِّ: الجنون والصرع. مَوْعِظَةٌ أى: وعظ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا: ينقصه ويذهب ببركته. وَيُرْبِي: يزيد ويبارك. أَثِيمٍ: مصرّ على الإثم ومبالغ فيه. ذَرُوا: اتركوا. فَأْذَنُوا: فاعلموا، من أذن بالشيء:
علم به. فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ: فانتظار إلى يسر ورخاء.
المناسبة:
ما تقدم كان في ذكر النفقة والمنفقين بالليل والنهار وفي السر والعلن ينفقون لوجه الله ولتثبيت أنفسهم على الإيمان فهم ينفقون المال بغير عوض ولا منفعة دنيوية.
وفي الآية هنا الكلام على المرابين الذين يستحلون مال الغير بغير حق ولا عوض، فالمناسبة بينهما التضاد، ولا غرابة فالضد أقرب خطورا بالبال.
المعنى:
الذين يأخذون الربا ويستحلونه من غير وجه شرعي ويأكلون أموال الناس بالباطل قد أذلتهم الدنيا وسخرهم حب المال وركبهم الشيطان والهوى، فتراهم في حركاتهم وسكناتهم وقيامهم وقعودهم يتخبطون خبط عشواء كالصرعى الذين مسهم الجن، وإنما خص القيام لأنه أبرز مظاهر النشاط في العمل ولقد جاء التعبير القرآنى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ موافقا لاعتقادهم وأنهم كانوا يؤمنون بالجن وتأثيره على الإنسان.
والعرب قديما ينسبون كل ما استعصى عليهم فهمه وإدراك سره إلى الجن، فلا غرابة
في أن يأتى القرآن موافقا لفهمهم، لأن المقصود تصوير آكل الربا بأبشع صورة وأقبح منظر.
ولقد درج جمهور المفسرين على أن المراد أن آكل الربا يقوم يوم القيامة يتخبط كالذي مسه الجن استنادا إلى روايات كثيرة وردت في وصف قيامه يوم القيامة، ولعل آكل الربا يبعث يوم القيامة على الحالة التي كان عليها في الدنيا فنجمع بين الرأيين.
وذلك الذي كان يفعله المشركون في الجاهلية من أكل الربا بسبب أنهم يستحلونه ويجعلونه كالبيع والشراء، فكما يجوز لك أن تبيع الشيء الذي قيمته قرش بقرشين! فلم لا يجوز أن تأخذ درهما في وقت العسرة والشدة وتدفع في وقت الرخاء درهمين؟
ولقد بالغوا في هذا حتى جعلوا البيع كالربا.
وقد أحل الله البيع إذ فيه معاوضة وسلعة قد يرتفع ثمنها في المستقبل وما زيد في الثمن إنما هو في مقابلة شيء ستنتفع به في الأكل أو اللبس أو غيرهما.
وحرم الربا إذ لا معاوضة فيه، والزيادة ليست في مقابلة شيء، بل كانوا إذا حل الدين فإن دفع المدين وإلا أجل الدائن في نظير زيادة الدين، فأخذ هذه الزيادة ظلم وأى ظلم واستحلالها كفر وإثم.
فمن جاءه وعظ من ربه يتضمن تحريم الربا لمصلحة الأمة والجماعة فانتهى عما كان يفعله، فله ما سلف أخذه في الجاهلية وأمره يوم القيامة إلى الله، والله يحاسبه على ما أخذه بعد التحريم أما قبله فقد عفا عنه.
ومن عاد إلى أكل الربا بعد تحريمه ووقف على ضرره فأولئك البعيدون في الضلال والظلم أصحاب النار الملازمون لها هم فيها ماكثون مكثا الله أعلم به.
وكيف تقعون في الربا وخطره وتبتعدون عن الصدقة وبرها، والربا يمحقه الله فلا بركة فيه ولا زيادة، فالمال وإن زاد بسببه ونما في الظاهر فهو إلى قل وضياع، والواقع الذي نشاهده شاهد على ذلك، أليس المرابى مبغوضا من الله والناس أجمعين؟! فلا أحد يعاونه ولا إنسان يعطف عليه بل الكل حاسد شامت يتربص به الدوائر، وهذا كله مما يساعد على ضياع المال ونقصانه.
وأما الصدقة فالله ينميها ويبارك فيها، وما نقصت زكاة من مال قط، والمتصدق محبوب عند الله والناس أجمعين، فلا حسد ولا بغضاء ولا سرقة ولا إكراه ولا إيذاء، وهذا كله مما يساعد على الزيادة والنمو في المال يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ والله لا يرضى عن المستحل للربا والمقيم على الإثم المبالغ فيه.
شأن القرآن إذا ذكر بعض المعاندين الظالمين الذين يفعلون فعل الكفار الآثمين، أن يعقب بذكر المؤمنين العاملين حتى يظهر الفرق واضحا فيكون ذلك أدعى للامتثال وأقرب للقبول ولذا يقول الله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة
…
الآية والمعنى.
ثم بعد هذا التمهيد القيم الذي أظهر الله فيه آكل الربا بتلك الصورة الفظيعة وجزاءه في الدنيا والآخرة وما استتبع ذلك من ذكر المؤمنين الصالحين وجزائهم ناسب أن يأمر أمرا صريحا بترك الربا فيقول: يا أيها الذين اتصفتم بالإيمان الذي يتنافى مع الربا والتعامل به.
فالإيمان والإسلام سلام ورحمة وعطف وصلة، أما الربا فجشع واستغلال ونصب واحتيال ومعاملة دنيئة تتنافى مع أخوة الإنسانية مطلقا.
يا أيها الذين آمنوا خذوا لأنفسكم الوقاية من عذاب الله وذروا ما بقي لكم من الربا حالا، أى: اقطعوا المعاملة به فورا، فضلا عن إنشاء المعاملة من جديد إن كنتم مؤمنين، وإلا فلستم مؤمنين كاملين لأنه لا إيمان مع المعاصي خصوصا الربا فإن لم تفعلوا ما أمرتم به فاعلموا واستيقنوا بحرب من الله ورسوله، أما حرب الله فغضبه وانتقامه، وما الآفات الزراعية والاضرار التي تصيبنا في هذه الأيام إلا من أكل الربا واستحلاله، وأما حرب رسوله والمؤمنين فمناصبتهم العداء واعتبارهم خارجين على الشرع وأحكامه.
روى أن هذه الآية نزلت في ثقيف كان لها ربا على قوم من قريش فطالبوهم به فأبوا واختصموا إلى والى مكة عتّاب بن أسيد، فنزلت الآية وكتب بها الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم، فلما علمت ثقيف بذلك قالت: لا طاقة لنا بحرب الله ورسوله.