الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترق فيه قطرة دم .. فباعوا واشتروا وكسبوا .. ودعوا إلى التوحيد، وربما كسبوا بدعوقم تلك أتباعًا ومؤمنين جددًا ينشرون التوحيد في قومهم أو يهاجرون .. ثم عادوا شوقًا إلى أهلهم .. شوقًا إلى المدينة ..
كانت المدينة غادة مكتنزة بالجميل والجديد .. كان هواؤها صافيًا نقيًا .. بعد أن تطهّر من ذلك الوباء .. الذي لوّث الصحة والعقول .. وأنزف الدماء والأموال .. المدينة الآن نقية. لأنه قد نزل
تحريم الخمر
الخمر التي تؤرق بعض الصحابة ويحيّرهم أمرها .. كانت تصنع في المدينة من خمسة أطعمة .. يقول ابن عمر رضي الله عنه: (نزل تحريم الخمر، وإن في المدينة يومئذٍ لخمسة أشربة)(1)(نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير)(2).
وكان نزول تحريمها لأسباب ما زالت ممتدة حتى الآن .. ما زالت شنيعة وخطيرة حتى الآن .. وما جاء الإِسلام إلَّا لتطهير المجتمع من مثل هذه الأسباب .. التي تهدّد أخوّة الإيمان وودّه ووصاله ..
من هذه الأسباب قول أحد الصحابة: (إنما نزل الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، شربوا، فلما ثمل القوم عبث بعضهم ببعض، فلما أن صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه، ورأسه، ولحيته، فيقول: صنع بي هذا أخي فلان -وكانوا أخوة ليس في قلوبهم ضغائن- والله لو كان بي رؤوفًا رحيمًا ما صنع هذا بي.
(1) حديث صحيح رواه البخاري (4616).
(2)
حديث صحيح رواه البخاري (4619).
حتى وقعت الضغائن في قلوبهم، فأنزل الله عز وجل هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} ) (1)، ويقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:(صنع رجل من الأنصار طعامًا فدعانا، فشربنا الخمر قبل أن تحرم، حتى انتشينا، فتفاخرنا، فقالت الأنصار: نحن أفضل .. وقالت قريش: نحن أفضل، فأخذ رجل من الأنصار لحى جزور، فضرب به أنف سعد، ففزره، وكان أنف سعد مفزرًا، فزلت آية الخمر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (2) عن هذه الخمر ..
هل أنتم منتهون عن هذه الخمر التي تذيب العقل .. وتمحو اللياقة الأدبية .. إن في الخمر لذّة لا شكّ في ذلك ولولا ما فيها من نشوة ما شربها أحد .. لكنها تسبّب الصداع والغثيان بعد تلك النشوة .. وهي تحيل شاربها إلى إنسان مريض .. وقح يتفوّه بكل بذيئة .. ويفشي كل ما ينبغي إخفاؤه من رغبات ونزوات تكدّر النديم والجليس والصاحب والقريب .. الخمر يدمر ذلك التحكم المهذب الذي يحفظ للإنسان شخصيّته ووقاره واحترامه .. إنسانيته وكرامته .. بالخمر يتحوّل السكران إلى حيوان يهذر بكل قبيح .. وينزو على كل محرم .. بالخمر يختلط الخطأ بالصواب .. والحلال بالحرام .. والأدب باللا أدب .. أما
(1) سورة المائدة: الآية 90.
(2)
حديث صحيح رواه مسلم والبيهقيُّ في السنن (8/ 285).