الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* لا تدخلها بغير السيوف في القرب) (1).
* (وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه.
* وأن لا يمنع من أصحابه أحدًا إن أراد أن يقيم بها) (2).
تعجب بعض الصحابة من تلك الشروط الجائرة (فقالوا: يا رسول الله: أنكتب هذا؟ قال: نعم، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم، سيجعل الله له فرجًا ومخرجًا)(3).
لم تنته المعاهدة حتى الآن .. وعلي رضي الله عنه يواصل كتابة الشروط .. والغضب يتطاير من عيني عمر بن الخطاب .. والصحابة رضي الله عنهم في حالة ذهول .. في تلك الأثناء حدثت حركة أججت لهيب الغضب في معسكر المسلمين .. مشهد فاجعة .. وظلم لا طاقة للرجال به .. لقد وصل الآن إلى مكان المباحثات رجل يرسف في قيوده .. يزحف .. ويمشي ويسقط ويجأر باحثًا عن ملجأ ومفر له مما هو به .. إنه ابن ذلك الرجل الذي يفاوض النبي صلى الله عليه وسلم: سهيل بن عمرو وابنه ذلك اسمه: أبو جندل ..
مأساة أبي جندل
قيده أبوه عندما علم بإسلامه .. وغل يديه وقدميه .. ومنعه من مغادرة مكة .. لكنه لم يستطع منعه من مغادرة الشرك .. ولما خرجت قريش لصد النبي صلى الله عليه وسلم عن دخول مكة وجد فرصة فهرب .. وها هو الآن
(1) حديث صحيح رواه أحمد (4/ 325) والزوائد للبخاري (2732).
(2)
حديث صحيح رواه البخاري (4251).
(3)
حديث صحيح رواه مسلم (1783).
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووالده سهيل يشاهده .. ومداد المعاهدة لم يجف بعد .. والشروط لم تنته حتى الآن .. لكن النبي صلى الله عليه وسلم قد وافق على ما مضى .. وصل أبو جندل بعد أن قال والده سهيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا.
قال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلمًا؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى نفسه بين أظهر المسلمين.
فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إليّ.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لم نقض الكتاب بعد، قال: فوالله إذًا لم أصالحك على شيء أبدًا.
"فلما رأى سهيل أبا جندل، قام إليه فضرب وجهه، ثم قال: يا محمد، قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا قال: صدقت.
فقام إليه فأخذ بتلبيبه (1)، وصرخ أبو جندل بأعلى صوته: يا معاشر المسلمين، أتردونني إلى أهل الشرك، فيفتنونني في ديني. فزاد الناس شرًا إلى ما بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، إنا عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا، فأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عليه، وإنا لن نغدر بهم".
قال النبي صلى الله عليه وسلم (2) -: فأجزه لي (3).
(1) أي بثوبه من جهة الصدر.
(2)
قال لسهيل بن عمرو.
(3)
أي اتركه لي.
قال: ما أنا. بمجيز ذلك لك.
قال: بلى فافعل.
قال: ما أنا بفاعل.
قال مكرز: بل قد أجزنا لك.
قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلمًا؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذابًا شديدًا في الله) (1).
كان هذا المنظر المؤلم يطعن في أعماق عمر ويفقده صوابه وصبره .. (فوثب إليه عمر بن الخطاب مع أبي جندل، فجعل يمشي إلى جنبه وهو يقول: اصبر أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب -ويدني قائم السيف منه- ويقول: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه، فضن (2) الرجل بأبيه ونفذت القضية) (3) كان عمر يريد من أبي جندل أن يجهز على أبيه بالسيف وينطلق من إساره بنفسه دون مساعدة المسلمين.
وبذلك يكون قد حرر نفسه ولا لوم على النبي صلى الله عليه وسلم ولا على أصحابه ولا على عهدهم وذمتهم .. لكن أبا جندل لم يفعل .. فطار صواب عمر وتوجه نحو نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد أن رأى وسمع ما لم يستطع عليه صبرًا. يقول عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: (ألست نبي الله حقًا؟
قال: بلى.
(1) حديث البخاري الطويل السابق والزوائد لأحمد.
(2)
أي بخل بأبيه على الموت.
(3)
حديث البخاري السابق.
قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ "وألسنا بالمسلمين أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى.
قلت: فِلمَ نعطى الدنية في ديننا إذن؟ "فعلام نعطى الذلة في ديننا؟ ".
قال صلى الله عليه وسلم: إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري، "أنا عبد الله ورسوله ولن أخالف أمره ولن يضيعني".
قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟
قال: بلى .. فأخبرتك أنا نأتيه العام؟
قلت: لا.
قال: فإنك آتيه ومطوف به.
فأتيت أبا بكر، فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقًا؟
قال: بلى.
قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ "أولسنا بالمسلمين، أوليسوا بالمشركين"؟
قال: بلى.
قلت: فلم نعطى الدنية في ديننا إذن؟ فعلام نعطي الذلة في ديننا؟ "
قال: أيها الرجل، إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق.
قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟
قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟