الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى عشق .. وعاد الحزن من حيث أتى .. أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد تحول إلى غمامة حب تظللها .. وقدم اعتذارات أذابت كل كلس اليهود في فؤادها .. حتى أصبح مرتعًا لمحمد ورب محمَّد .. تذكر صفية تلك الأيام وأمواجها الغريبة المتلاطمة .. تتذكر حبيبها صلى الله عليه وسلم وهو:
يسأل عن كدمة حول عين حبيبته
وذلك عندما "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيني صفية خضرة فقال يا صفية ما هذه الخضرة؟ فقالت كان رأسى في حجر ابن أبي حقيق وأنا نائمة فرأيت كأن قمرًا وقع في حجري .. فأخبرته بذلك فلطمني وقال تمنين ملك يثرب؟ قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبغض الناس إلي قتل زوجي وأبي وأخي فما زال يعتذر إلي ويقول. إن أباك ألب علي العرب وفعل وفعل حتى ذهب ذلك من نفسي"(1) تلك الاعتذارات والمشاعر بينت لها مدى الفارق بين هذا النبي الكريم وبين زوجها السابق العنيف الذي كان يقودها إلى جهنم وقد "أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبنى عليه بصفية"(2).
ثم واصل صلى الله عليه وسلم مسيره عائدًا إلى المدينة محاطًا بجيش كالمشاعر .. سلمة ابن الأكوع يتذكر في طريق العودة أخاه الشهيد على أرض خيبر عامر بن الأكوع ويتذكر حداءه الجميل على هذا الطريق وتهيج مشاعره فلا يجد ألطف من النبي صلى الله عليه وسلم كي يشاركه تلك المشاعر. فبم رد عليه وماذا فعل سلمة .. ؟ يقول رضي الله عنه "لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالًا شديدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتد عليه سيفه فقتله فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وشكوا فيه رجل مات في سلاحه وشكوا في بعض أمره قال سلمة
(1) حديث صحيح مر معنا في بداية الكتاب.
(2)
حديث صحيح رواه البخاري 4 - 1543.
فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر فقلت يا رسول الله ائذن لي أن أرجز لك فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر ابن الخطاب: أعلم ما تقول فقلت:
والله لولا الله ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقت
وأنزلن سكينة علينا .. وثبت الأقدام إن لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا
فلما قضيت رجزي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال هذا؟ قلت: قاله أخي .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحمه الله .. قال: فقلت: يا رسول الله .. إن ناسًا ليهابون الصلاة عليه يقولون رجل مات بسلاحه .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مات جاهدًا مجاهدًا فله أجره مرتين وأشار بإصبعيه" (1). وفي طريق العودة أيضًا لم يكن التعبير عن المشاعر شعرًا فقط .. بل سلوكًا يفيض بالعطف والرحمة.
يقول أبو أمامة رضي الله عنه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من خيبر ومعه غلامان فقال علي رضي الله عنه: يا رسول الله .. أخدمنا .. فقال: خذ أيهما شئت فقال: خر لي .. قال: خذ هذا ولا تضربه فإني قد رأيته يصلي مقبلنا من خيبر .. وإني قد نهيت عن ضرب أهل الصلاة وأعطى أبا ذر الغلام الآخر .. فقال: استوص به خيرًا .. ثم قال: يا أبا ذر .. ما فعل الغلام الذي أعطيتك؟ قال: أمرتني أن أستوصى به خيرًا فأعتقته"(2) وعندما اقترب الركب من المدينة تدفقت العواطف في كل اتجاه ولما لاح للنبي صلى الله عليه وسلم جبل أحد باح بحبه لمن حوله .. أنس كان ممّن حوله يقول رضي
(1) حديث صحيح رواه مسلم 3 - 1429.
(2)
سنده حسن رواه الإمام أحمد 5 - 258 حدثنا عبد الله حدثنا أبى ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة أنا أبو غالب عن أبي أمامة وهذا السند حسن من أجل أبي غالب صاحب أبى أمامة وهو حسن الحديث إذا لم يخالف انظر التقريب 2/ 460 وبقية الرواة أئمة ثقات.