الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليس هناك من يشفى غليلًا بداخلها سوى النبي صلى الله عليه وسلم .. توجهت إليه فكانت هذه القصة المنسوجة بالشكوى والسفر
مهاجرة تشكو عمر
يقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: "دخلت أسماء بنت عميس -وهي ممّن قدم معنا- على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجاشى فيمن هاجر .. فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها .. فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس .. قال عمر: آلحبشية هذه آلبحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم. قال: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم. فغضبت وقالت: كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم .. وكنا في دار -أو في أرض- البعداء البغضاء بالحبشة .. وذلك في الله وفي رسوله صلى الله عليه وسلم .. وأيم الله لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. ونحن كنا نؤذى ونخاف .. وسأذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وأسأله .. والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه .. فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله .. إن عمر قال كذا وكذا قال: فما قلت له؟ قالت: قلت له كذا وكذا. قال: ليس بأحق بى منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان. قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالًا يسألونني عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم .. قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث منى"(1) والبشرى تملأ قلبه وروحه .. فالإِسلام لا يغفل دور مسلم مهما كان هذا المسلم ضعيفًا مغلوبًا على أمره مادامت معاناته في الله .. فقد
(1) حديث صحيح رواه البخاري 4 - 1546.
"رأى سعد رضي الله عنه أن له فضلًا على من دونه فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم"(1) وعمر رضي الله عنه لم يكن يتحدث عن نفسه فقط .. كان يتحدث عن أبي بكر وعثمان وعلي وطلحة وغيرهم من المهاجرين الذين كابدوا ما كابدوا في سبيل الله وبذلوا ما بذلوا في بدر وأحد والخندق وخيبر .. كان عمر يتحدث عن أهل بيعة الرضوان أما سعد رضي الله عنه فقد رأى في قتاله وهجرته تفوقًا على ذلك الصحابي الضعيف .. فكان للإسلام ميزان أدق لا يغفل فيه أي شيء ولا سيما تلك الأشياء التي يفضل البعض أن يحولها إلى أسرار حميمة فيما بينهم وبين الله فقط .. ويرفضون أن يفسد أحد تمتعهم بتلك الأجواء الحميمة مع الله .. ذات يوم "مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يستمع، ثم سكت فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يستمع
…
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا" (2).
لكن النبي عليه السلام يقدم درسًا مجانيًا لمن كلف نفسه توجيه النقد للناس محاولًا التسلل بينهم وبين الله .. جاعلًا من البغض في الله نوافذ يخرج من خلالها نشازًا داخل نفسه .. أحد الصحابة يتحدث عن ذلك فيقول:
"إن رجلًا مر على قوم فسلم عليهم فردوا عليه السلام .. فلما جاوزهم قال رجل منهم: والله إني لأبغض هذا في الله .. فقال أهل المجلس: بئس والله ما قلت .. أما والله لتنبئنه .. قم يا فلان -رجلًا منهم- فخبره .. قال: فأدركه رسولهم .. فأخبره بما قال .. فانصرف الرجل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا
(1) حديث صحيح رواه البخاري 3 - 1061.
(2)
حديث صحيح رواه البخاري 5 - 1958.
رسول الله .. مررت بمجلس من المسلمين فيهم فلان فسلمت عليهم فردوا السلام فلما جاوزتهم أدركني رجل منهم فأخبرني أن فلانًا قال: والله أني لأبغض هذا الرجل في الله فادعه فسله على ما يبغضني. فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عما أخبره الرجل .. فاعترف بذلك وقال: قد قلت له ذلك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلم تبغضه .. قال: أنا جاره وأنا به خابر والله ما رأيته يصلي صلاة قط إلا هذه الصلاة المكتوبة التي يصليها البر والفاجر .. قال الرجل: سله يا رسول الله هل رآني قط أخرتها عن وقتها أو أسأت الوضوء لها أو أسأت الركوع والسجود فيها .. فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: لا .. ثم قال: والله ما رأيته يصوم قط إلا هذا الشهر الذي يصومه البر والفاجر. قال: فسله يا رسول الله هل رآني قط أفطرت فيه أو انتقصت من حقه شيئًا .. فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا .. ثم قال: والله ما رأيته يعطى سائلًا قط ولا رأيته ينفق من ماله شيئًا في شيء من سبيل الله بخير إلا هذه الصدقة التي يؤديها البر والفاجر. قال: فسله يا رسول الله هل كتمت من تلك الزكاة شيئًا قط أو ماكست فيها طالبها .. فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: لا .. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم إن أدري لعله خير منك" (1) لأن الشعور بالتفوق على الآخرين مهما كان رصيده من الظاهر والباطن .. لا يجيز لصاحبه التطاول على الآخرين وانتقاصهم تحت أي مبرر .. فالحكم على الآخرين من خلال ظواهرهم غير دقيق إلا في حالة فساد الظاهر فسادًا ينم عن عفن الباطن .. وهناك فرقٌ بين الحكم على الشخص والحكم على سلوك صادر عنه .. الشعور بالتفوق قد يدخل في الكبر .. والكبر شيء خطير ..
(1) سنده صحيح رواه الإمام أحمد ج455/ 5 عن شيخه أبى كامل مظفر بن مدرك ثنا إبراهيم ابن سعد ثنا ابن شهاب عن أبى الطفيل وهذا السند صحيح: أبو كامل ثقة من رجال التقريب 2 - 255 وشيخه ثقة حجة من رجال الشيخين التقريب1 - 35.