الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللَّهم اهزمهم وزلزلهم) (1) دعا دعاء المكروب .. المحتاج .. وما كان الله ليذر نبيه وعباده الصالحين في همومهم وقد بذلوا كل جهدهم وطاقتهم له ومن أجل رضاه سبحانه.
استجاب الله دعاء نبيه
وها هي طلائع الهزيمة تقترب نحو الأحزاب دون أن يشعروا .. بعث الله جيشًا لا يقهر نحو أعدائه .. بعث الله الريح والبرد وجنودًا لا يرونها .. أما المؤمنون فقد أصابهم البرد امتحانًا من الله .. وتمحيصًا لهم .. وتكفيرًا .. وقد أخرج البرد بقايا المنافقين من صمتهم .. فانطلقوا يعتذرون من النبي صلى الله عليه وسلم للعودة إلى منازلهم .. فأذن لهم .. وبقي هو وأصحابه متجمدين من شدة البرد لا يقوون على الحركة ولا القتال .. أما في معسكر الوثنيين فقد هاجت الريح عليهم .. فأطفأت نارهم .. واقتلعت خيامهم .. وقلبت قدورهم .. وملأت أنوفهم وعيونهم وأفواههم بالتراب والهزيمة .. أما البرد فقد أعجزهم عن الحركة .. وتحول معسكرهم إلى ساحة كبيرة من النفايات والفوضى والرعب .. البرد والجوع والخوف ينتقل من المدينة .. يعبر الخندق كوحش لا يطاق .. ويتحول الأحزاب إلى أكوام .. إلى ركام من الفشل .. ويتفرق شملهم .. تنهار أحلامهم أمام أعينهم .. تتطاير مع الريح والغبار .. فماذا سيفعلون .. وماذا فعل صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الذين مستهم الريح ومسهم البرد والجوع.
قرر النبي صلى الله عليه وسلم السماح لأصحابه بالعودة إلى بيوتهم .. فقد جاء نصر الله بريح وجنود لا يراها البشر .. فعاد من أحب العودة منهم .. وبقي من بقي
(1) حديث صحيح رواه البخاري (4115).
فقد كفى الله المؤمنين القتال .. وفي أشد ساعات الريح والبرد .. كان صلى الله عليه وسلم يستدفئ بمناجاة حبيبه سبحانه .. كان يتمتع بصلاته .. ويريح نفسه بها .. قيل لذلك الشاب الذي يشارك لأول مرة .. قيل لعبد الله بن عمر بن الخطاب: (أين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي يوم الأحزاب؟ قال: كان يصلى في بطن الشعب، عند خربة هناك، ولقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانصراف للناس، ثم أمرني أن أدعوهم، فدعوتهم)(1) لكنهم لم يعودوا. ولم يستطيعوا العودة من شدة البرد والجوع .. وكان لعدم عودتهم قصة يحكيها ذلك الشاب أيضًا .. الذي أرسله خاله الصوام القوام عثمان بن مظعون .. ليحضر بعض الطعام ولحاف عله يذهب ما به وبأصحابه من ريح وجوع وبرد .. يقول عبد الله بن عمر: (أرسلني خالي: عثمان بن مظعون رضي الله عنه ليلة الخندق في برد شديد وريح إلى المدينة، فقال: ائتنا بطعام ولحاف.
فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن لي، وقال: من أتيت من أصحابي فمرهم أن يرجعوا.
فذهبت الريح تسفي كل شيء، فجعلت لا ألقى أحد إلا أمرته
(1) رجاله ثقات رواه الطبراني (12/ 369): حدثنا محمد بن الحسين الأنماطي، حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عبيد الله بن عمر عن نافع، قال قيل لعبد الله .. وهذا السند، رجاله ثقات: عبيد الله ثقة ثبت (التقريب- 1/ 537) وعبد العزيز الدراوردي: صدوق (التقريب- 1/ 512) ومصعب صدوق (التقريب- 2/ 252) وشيخ الطبراني سكت عنه الشيخ حماد الأنصاري حفظه الله في البلغة (280) ووجدت توثيقه في تاريخ بغداد (2/ 227) لكن يعكر على صفو هذه السلسلة قول الإمام أحمد أن الدراوردي: ربما قلب حديث عبد الله بن عمر يرويها عن عبيد الله .. لكن الراجح أنه لم يقلب هنا .. لأنه روى نحو هذا الحديث وهو الحديث التالي وقد توبع تابعه إمام ثقة هو ابن وهب عند ابر جرير (ابن كثير- الأحزاب).