الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليهود بعد موت سعد بن معاذ
أشد رعبًا وخوفًا من قبل إلا من آمن منهم وامتلأ قلبه برحابة الإيمان وراحته .. فالسيف الذي تركه سعد لا يزال محمولًا بكف فارس آخر .. وهو على أتم الاستعداد لأي خيانة جديدة مهما كان حجمها ..
لكن ماذا عن رأس الفتنة .. ومحرض الأحزاب سلام بن أبي الحقيق .. وحيي بن أخطب الذي أخذ على نفسه عهدًا بمعاداة النبي صلى الله عليه وسلم ومحاربته وعناده ما تردد الهواء في صدره .. رغم معرفته وتأكده من نبوته .. يبدو أن حيي بن أخطب قد قتل مع من قتل من بني قريظة .. أما سلام بن أبي الحقيق فقد ورط الأحزاب ثم خانهم جميعًا وهرب .. بل خان يهود قريظة ثم انسل كالحية إلى (حصن له بأرض الحجاز)(1) في خيبر بالتحديد .. فهل سيفلت من العقاب الذي حل ببني قريظة .. إنه يستحق أكثر من عقاب .. فهو الذي خطط .. ورتب وحرض .. ولما اشتبك أعداؤه وحلفاؤه ترك الجميع وهرب .. وهو في حصنه الآن .. بين نسائه وأصدقائه يشرب ويتنعم ويحلم بدماء محمَّد صلى الله عليه وسلم وأصحابه .. وانهيار دولتهم في أقرب فرصة ..
لكن النبي صلى الله عليه وسلم لن يترك هذا المجرم وأحلامه .. إنه آفة خطيرة تسري في العقول .. وتنتشر في الهواء .. وتلوث الحياة .. لذلك فقد أصدر النبي صلى الله عليه وسلم أمرًا بالقضاء على تلك الآفة .. أصدر أمرًا بـ:
قتل سلام بن أبى الحقيق
وكان أكثر المتحمسين لذلك فرسان الخزرج .. الذين أرادوا منافسة إخوانهم الأوس في نصرة الله ورسوله .. يقول البراء بن عازب رضى الله عنه:
(1) حديث صحيح رواه البخاري (4039).
(بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع اليهودي رجالًا من الأنصار، فأمر عليهم عبد الله بن عتيك، "عبد الله بن عتبة في ناس معهم" وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز، فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم، فقال عبد الله لأصحابه:
اجلسوا مكانكم فإني منطلق ومتلطف للبواب لعلي أن أدخل.
فأقبل حتى دنا من الباب "فانطلق رجل منهم فدخل حصنهم.
قال: فدخلت في مربط دواب لهم، وأغلقوا باب الحصين، ثم إنهم فقدوا حمارًا لهم فخرجوا "بقبس" يطلبونه، فخرجت فيمن خرج، أريهم أنني أطلبه معهم، فوجدوا الحمار، فدخلوا" "فخشيت أن أعرف، فغطيت رأسى ورجلى كأني أقضي حاجةً، ثم نادى صاحب الباب:
من أراد أن يدخل فليدخل، قبل أن أغلقه".
ثم تقنع بثوب كأنه يقضى حاجة، وقد دخل الناس فهتف به البواب:
يا عبد الله .. إن كنت تريد أن تدخل فادخل، فإني أريد أن أغلق الباب. فدخلت، فكمنت "في مربط حمار عند باب الحصن" فلما دخل الناس أغلق الباب، ثم علق الأغاليق (1) عليها وتد، "ورأيت صاحب الباب حيث وضع مفاتيح الحصن في كوة فأخذته ففتحت به باب الحصن" فقمت إلى الأقاليد (2)، فأخذتها، ففتحت الباب، وكان أبو رافع يُسمر عنده، وكان في علالي (3) له، "فتعشوا عنده أبي رافع وتحدثوا حتى ذهبت
(1) أي المفاتيح وهي ما يغلق بها الباب.
(2)
أي المفاتيح أيضًا.
(3)
غرفة.
ساعة من الليل، ثم رجعوا إلى بيوتهم" فلما ذهب عنه أهل سمره "هدأت الأصوات، ولا أسمع حركة .. خرجت" صعدت إليه "في سلم" فجعلت كلما فتحت بابًا أغلقت علي من داخل، قلت: إن القوم نذروا بي (1) لم يخلصوا إلي حتى أقتله، فانتهيت إليه، فإذا هو في بيت مظلم "قد طفئ سراجه" وسط عياله لا أدري أين هو من البيت.
فقلت: يا أبا رافع.
فقال: من هذا؟
فأهويت نحو الصوت (2) فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش، فما أغنيت شيئًا، وصاح فخرجت من البيت، فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه، "كأني أغيثه".
فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ "ما لك يا أبا رافع .. وغيرت صوتي.
فقال: ألا أعجبك لأمك الويل".
"قلت: ما شأنك".
فقال: لأمك الويل إن رجلًا في البيت ضربني قبلُ بالسيف.
"فعمدت له" فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله، "فصاح، وقام أهله، ثم جئت وغيرت صوتي كهيئة المغيث، فإذا هو مستلق على ظهره" ثم وضعت ضبيب (3) السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره "ثم تحاملت عليه
(1) أي إن علموا بى وأنذر بعضهم بعضًا.
(2)
توجهت نحو مصدر الصوت.
(3)
ربما يعني حرف حد السيف.
حتى قرع العظم" "ثم أنكفئ عليه حتى سمعت صوت العظم" فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب بابًا بابًا، حتى انتهيت إلى درجةٍ له، فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت في ليلة مقمرة، فانكسرت ساقي "فانخلعت رجلي" فعصبتها بعمامة، "ثم أتيت أصحابي أحجل (1)، فقلت لهم: انطلقوا فبشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لا أبرح حتى أسمع الناعية" ثم انطلقت حتى جلست على الباب، فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته؟ فلما صاح الديك، قام الناعى على السور.
فقال: أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز.
"فقمت أمشي ما بى قلبة (2) ، فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم" فانطلقت إلى أصحابي فقلت: النجاء (3)، فقد قتل الله أبا رافع، فانتهيت إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فحدثته، "فبشرته".
فقال لي: ابسط رجلك.
فبسطت رجلي، فمسحها، فكأنها لم أشتكها قط) (4).
أكرم الله عبد الله بن عتيك بتلك المسحة .. بعد أن مسح عن وجه الأرض ذلك العفن المسمى "سلام بن أبي الحقيق" كان عبد الله رضي الله عنه قلبًا من حديد .. وأعصابًا من فولاذ .. نشر الرعب في ذلك الحصن .. وفي قلب كل يهودي .. لقد اهتز كل شئ حول المدينة وتزلزل .. والمدينة هي الحضن الدافئ .. والأمن الحاني التي يقصدها من استبد بهم الخوف ..
(1) يرفع رجلًا ويقف على الأخرى من العرج.
(2)
أي أنه لم يشعر بالألم لشدة ما هو فيه من الأمر.
(3)
أي أسرعوا.
(4)
حديث صحيح رواه البخاري (4039) والزوائد له في (4040) و (3022).