الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دخلت فدخلت الرحمة على قومها
تقول عائشة رضي الله عنها في حديثها عن جويرية:
(فدخلت عليه، فقالت:
يا رسول الله .. أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، سيد قومه، وقد أصابني من النبلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس، أو لابن عمٍ له، فكاتبته على نفسي (1)، فجئتك أستعينك على كتابتي.
قال صلى الله عليه وسلم: فهل لك في خير من ذلك؟
قالت: وما هو يا رسول الله؟
قال صلى الله عليه وسلم: أقضى عنك كتابتك وأتزوّجك.
قالت: نعم .. يا رسول الله، قد فعلت.
قالت عائشة: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوّج جويرية ابنة الحارث بن أبي ضرار. فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرسلوا ما بأيديهم (2).
قالت عائشة:
فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها) (3)، وما أعلم أحدًا أعظم بركة
(1) أي يحررها مقابل مال تدفعه له.
(2)
حرروهم وأطلقوهم.
(3)
سنده صحيح رواه ابن إسحاق وغيره من طريقه: حدثني محمَّد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة، محمَّد ثقة من رجال التقريب (12/ 150) وعروة مر معنا كثيرًا.
عليها وعلى قومها وعلى الناس جيعًا من محمَّد صلى الله عليه وسلم .. لقد وجدت في رحمته وسماحته مكانًا لمطالبها الصعبة .. فهي أسيرة عنده .. ومع ذلك تطلب منه أن يعينها للفكاك بماله .. فيأخذ بيديها .. ويشرع لها بابًا يطل على كنوز الدنيا والآخرة .. وهل هناك كنز في الدنيا أعظم لها من أن تكون شريكة حياته صلى الله عليه وسلم .. وهل هناك كنز في الآخرة إلَّا كنوز الجنّة .. لم تقتصر بركته صلى الله عليه وسلم على تلك الكريمة الجميلة .. لقد كانت بركة كالشمس ينساب شعاعها على أكثر من مائة بيت من بني المصطلق .. فانطلقوا في دفئها وشعاعها يحملون الحرية والعرفان للنبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام ..
وفي وسط تلك الأجواء الاحتفالية .. كانت عائشة تحسّ بآلام السفر والإعياء الشديدين .. سقطت بعد أيام قليلة في فراشها .. وطال رقادها على فراشها وأنينها .. لكن ألمها ازداد عندما أحست بجفوة غريبة من النبي صلى الله عليه وسلم .. أحسّت بتغيّر معاملته لها .. وهي التي تعوّدت منه الرقّة واللطف .. خاصة عندما تكون مريضة .. حيث يتدفق عليها صلى الله عليه وسلم يغمرها بكلماته ولمساته الحانية المحبة .. تقول عائشة رضي الله عنها:
(فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرًا والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكى، "أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه بي، كنت إذا اشتكيت رحمني ولطف بي، فلم يفعل ذلك في شكواي تلك، فأنكرت منه" إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم "عليَّ وأمي تمرّضني" فيسلم، ثم يقول: كيف تيكم؟ "لا يزيد في ذلك" ولا أشعر بالشر)(1).
(1) حديث صحيح رواه مسلم (2770) واللفظ له والبخاريُّ (4141) والزوائد لابن =