الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقريش تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكذب .. وتحقق للنبي صلى الله عليه وسلم ما أراد فتم عزل بني قريظة عن قريش وغطفان .. وانكسر أحد أضلاع مثلث الأحزاب .. فتزعزعت ثقة الأحزاب بأحلامهم وجيشهم .. وأصبحت الهزيمة عندهم قابلة للاحتمال .. وبدأت بوادر استجابة الله لدعاء سعد بن معاذ .. الذي حاول صلى الله عليه وسلم علاجه .. يقول جابر رضي الله عنه:
(رمي يوم الأحزاب سعد بن معاذ، فقطعوا أكحله، فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار، فانتفخت يده، فحسمه أخرى، فانتفخت يده، فنزفه، فلما رأى ذلك، قال: اللَّهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة، فاستمسك عرقه، فما قطر قطرة)(1).
استجاب الله لسعد بن معاذ .. فأي مصير ينتظر بني قريظة .. استجاب الله دعاء سيد الأنصار .. فهل يستجيب الله لـ:
دعاء سيد البشر
الذي حاصره الكفر من كل مكان .. وطال عليه الحصار .. وسيطر الخوف على كل شبر في المدينة .. وصار الطفل والمرأة والرجل يخشون على أنفسهم إذا خرجوا لقضاء حاجة .. اشتد البرد والشتاء والجوع .. وبلغت الحال كما وصف الله في القرآن: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)
(1) سنده صحيح رواه أحمد (3/ 350) حدثنا حجين ويونس قالا: حدثنا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر .. وظاهر هذا السند الضعف لأن أبا الزبير مدلس وقد عنعن .. لكن ذلك لا يضر في هذه الحالة لأن الراوي عن أبي الزبير هو الليث بن سعد وقد أعلم له أبو الزبير ما سمعه من جابر فرواه عنه .. التهذيب (9/ 442) وحجين ثقة -التقريب (1/ 155).
هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14)} (1) هذا هو الوضع الآن .. وهذه هي المدينة .. كالطفل الخائف .. طيبة خائفة .. والرعب يطل عليها من رؤوس الجبال .. وشقوق الأبواب .. ومن بين النخيل ..
والمشركون يستعدون الآن لشن هجوم شرس للقضاء على هذا الملل والانتظار .. للقضاء على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه .. وبدأ الهجوم في ظهيرة أحد الأيام الباردة .. فتصدى له المسلمون .. وكان صلى الله عليه وسلم يمثل جيشًا على إحدى مداخل الخندق .. يحميه ويذود عنه .. ويفتك بمن يقتحمه .. حتى صدهم عن ذلك الثغر .. وقد بقي صلى الله عليه وسلم على ذلك المدخل من بعد صلاة الظهر إلى أن توارت الشمس وغابت .. يقول علي رضي الله عنه:
(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم الأحزاب قاعدًا على فرضة من فرض الخندق، فقال: شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس، ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا)(2).
وها هو أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية الصحابة .. مشغولون عن الصلاة بقريش ومن معها .. لقد ذهب وقت صلاة العصر .. ودخل المغرب وهم يحاربون .. ها هو عمر قد استشاط غضبًا على أولئك الوثنيين
(1) سورة الأحزاب: الآيات 10 - 14.
(2)
حديث صحيح رواه مسلم (الدليل لمن قال .. كتاب المساجد) والبيهقيُّ (3/ 443) واللفظ له.
(عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش، قال: يا رسول الله .. ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب .. قال النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما صليتها. فقمنا إلى بطحان، فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب)(1) في ذلك الوادي المسمى: بطحان .. وحول الخندق كان الليل إذا أقبل .. أقبل مع الليل برد شديد .. وعندما تشرق الشمس تشرق معها المنايا .. ففي أحد الأيام أشرقت الشمس والمعركة .. وحميت المعركة وتأجج لهيبها ولم يستطع النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الصلاة من شدة القتال .. خرج وقت صلاة الظهر .. والعصر والمغرب ولم تهدأ المعركة إلا بعد في دخول صلاه العشاء: يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:
(حبسنا يوم الخندق عن الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، حتى كفينا ذلك، فأنزل الله عز وجل: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بلالًا فأقام، ثم صلى الظهر، كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام فصلى العصر كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام المغرب، فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام العشاء، فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك)(2) هكذا بلغ الحصار بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .. لم يجدوا حتى دقائق قليلة لأداء الصلوات في أوقاتها .. ماذا يفعل صلى الله عليه وسلم وسط هذا الخوف والجوع .. وسط هذا الزلزال .. لم يجد وسيلة مباحة إلا استخدمها .. ولم يبق أمامه وأمام أصحابه سوى الدعاء .. (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال:
(1) حديث صحيح رواه البخاري (596) ومسلمٌ - كتاب المساجد.
(2)
حديث صحيح رواه البخاري (4115).