الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)} (1).
لم يكتفِ اليهود بالتآمر عليه صلى الله عليه وسلم .. بل أضافوا إلى خيانتهم ونقض عهدهم والوثيقة المكتوبة بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم .. أضافوا إلى قائمة جرائمهم جريمة هي الأشنع والأحقر .. جريمة تنزّ بالخسّة والوقاحة .. زوّر اليهود وأباحوا لنفسهم القفز على كل مبدأ وعقل وحقيقة .. فمنحوا للوثنيين المشركين صكًّا بالبراءة من كل إثم في كل ما يرتكبونه من جاهلية .. وسلبوا النبي صلى الله عليه وسلم كل حق وحقيقة يملكها .. جعلوا التوحيد هو الباطل .. وطلبوا من عَبَدة الأخشاب والأحجار الاستمرار في طقوسهم المنحطة .. فعلوا ذلك كلّه وهم أهل كتاب .. وقد قرأوا الكثير .. الكثير عن محمد صلى الله عليه وسلم ونبوّته وصفاته .. فما هو العقاب الذي يستحقه هؤلاء .. مسلسل الوحل اليهودي لم ينته بعد .. فبعد أن وضعوا قريشًا في إحدى جيوبهم .. توجّهوا نحو قبيلة غطفان القوية فأغروها بالنبي صلى الله عليه وسلم والمدينة .. وأغروها بتمر المدينة ونخيلها ونسائها .. فاستجابت .. وانتصبت المؤامرة .. وتدلّت ثمارها أمام اليهود والوثنين .. لكن الخبر وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق رجل أحمق من غطفان .. يدعى "الحارث الغطفاني".
غطفاق تطلب ثمن انسحابها من الأحزاب
(1) حديثٌ حسنٌ رواه ابن إسحاق بأسانيد عدة منها: حدثني يزيد بن رومان عن عروة ومن لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك .. ومحمَّد بن كعب القرظي والزهري وعاصم بن عمر بن قتادة .. وهذه الأسانيد كلها مرسلة وإن كان عبد الله بن كعب له رؤية .. وهي لا تقوي بعضها البعض لأنه ربما كان مصدرها واحدًا وهو مجهول .. لكن لها شاهد رفعها إلى درجة الحسن وهو عند ابن إسحاق أيضًا (تفسير ابن كثير- الأحزاب): حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس .. وهو سندٌ حسنٌ بالشواهد من أجل محمد بن أبي محمد .. وابن إسحاق لا يتهمه .. انظر التقريب (2/ 205) حيث قال عنه مجهول.
وقد أرسلت من أجل هذه المهمة أحد وجهائها .. رجل اسمه: الحارث الغطفاني .. ركب راحلته .. وعندما استقرت به على أرض المدينة .. بحث عن النبي صلى الله عليه وسلم .. ولما وقف أمامه .. أملى على النبي صلى الله عليه وسلم شرطه للانسحاب من التحالف اليهودي الوثني .. وكان شرطًا يفوح صفاقة وتغطرسًا .. لكن إجابة الأنصار كانت كالسيف على رأسه. فقد رفض الأسدان سعد بن عبادة وسعد بن معاذ كل أنواع الابتزاز .. مهما كان مصدره وقوّته .. فقد:
(جاء الحارث الغطفاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد .. ناصفنا تمر المدينة. "وإلا ملأناها عليك خيلًا ورجالًا"، فقال صلى الله عليه وسلم: حتى أستأمر السعود: سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ يشاورهما "فقال: إني قد علمت أن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وأن الحارث يسألكم أن تشاطروه تمر المدينة، فإن أردتم أن تدفعوا إليه عامكم هذا حتى تنظروا في أمركم بعد. قالوا: يا رسول الله أوحي من السماء؟ فالتسليم لأمر الله، أو عن رأيك أو هواك؟ فرأينا تبع لهواك ورأيك، فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء، ما ينالون منّا تمرة إلا بِشِرى أو قرى" (1)، فقالا (2): ما أعطينا الدنية (3) من أنفسنا في الجاهلية، فكيف وقد جاء الله بالإسلام.
فرجع إليه الحارث، فأخبره.
فقال: غدرت يا محمد.
(1) أي كانوا لا يستطيعون الحصول على تمرنا إلا بالشراء أو الضيافة.
(2)
قال السعدان: ابن عبادة وابن معاذ.
(3)
أي لم نعط الصفة والخصلة المذمومة في الجاهلية فكيف وقد أسلمنا.
فقال حسان بن ثابت:
يا حارِ من يغدر بذمة جاره
…
منكم فإن محمدًا لا يغدر
إن تغدروا فالغدر من عاداتكم
…
واللؤم ينبت في أصول السخبر
وأمانة النهدي حيث لقيتها
…
مثل الزجاجة صدعها لا يجبر
فقال الحارث: كفّ عنا يا محمد لسان حسان، فلو مزج به ماء البحر لمزجه) (1)، ولم يكن لسان حسان أشدّ من لساني السعدين .. لم يعرض صلى الله عليه وسلم ذلك الأمر على أبي بكر ولا على عمر .. بل على أهل دار الهجرة والكرم وأصحاب الشأن الأوّل ..
فذهب ذلك الوثني إلى قومه ذليلًا .. حيث كان الأنصار له كالموت .. بالسيوف والشعر .. عندها أدرك صلى الله عليه وسلم خطورة الموقف والأحزاب .. تأمّل صلى الله عليه وسلم وضع المدينة فوجد المعركة هذه المرة مختلفة .. فقريش اليوم ليست وحدها .. معها غطفان .. ومعها بقايا بني النضير الذين استطاعوا زحزحة يهود بني قريظة عن عهدهم وميثاقهم مع النبي صلى الله عليه وسلم .. وقد يلحق بقريش بنو سليم وغيرهم من حلفائهم .. والوقت قصير لا يحتمل التأخير .. والجيش المسلم لا يستطيع التصدّي لهذه الجموع خارج المدينة .. فالأفضل البقاء في المدينة .. حيث يشارك الجميع في تلك المعركة دون استثناء وحتى لا يتكرر ما حدث
(1) سنده حسن رواه البزار (زوائد - 2/ 331) واللفظ له .. والزوائد للطبراني (6/ 34): البزار وعبدان والساجي قالوا: حدثنا عقبة بن سنان، حدثنا عثمان بن عثمان الغطفاني، حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة .. : أبو سلمة بن عبد الرحمن تابعي ثقة مكثر - التقريب (2/ 430) ومحمَّد بن عمرو بن علقمة حديثه حسن إذا لم يخالف من هو أوثق منه وهو من رجال البخاري ومسلمٌ بل من رجال الستة -التقريب (2/ 196) وعثمان صدوق من رجال مسلم- السابق (2/ 12) وعقبة بن سنان بن عقبة بن سنان بن سعد بن جابر، البصري من شيوخ أبى حاتم وقد قال عنه: صدوق - الجرح والتعديل (6/ 311).