الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غزوة ذات السلاسل
فبعد مؤتة وذات شتاء قارس استدعي عمرو بن العاص للمثول بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فمثل وتحدث عن ذلك الحوار مع نبيه فقال: "بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني .. فأتيته وهو يتوضأ .. فصعَّد فيَّ النظر ثم طأطأ .. فقال: إني أريد أن أبعثك على جيش فيسلمك الله ويغنمك وأرغب لك من المال رغبة صالحة .. قلت: يا رسول الله .. ما أسلمت من أجل المال ولكني أسلمت رغبة في الإسلام وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: يا عمرو .. نعم المال الصالح للمرء الصالح"(1) ونعم الجيش الصالح جيش عمرو هذا .. سمع عمرو تلك الكلمات الجميلة وأطاع قائده وانطلق بجيشه الذي كان ضمنه رجال سبقوا عمرًا بالفضل والإسلام أمثال أبي بكر وعمر. يقول أحد الصحابة المشاركين في ذلك الجيش: "رأيت أبا بكر رضي الله عنه في غزوة ذات السلاسل وكأن لحيته لهب العرفج على ناقة له أدمًا أبيض خفيفًا"(2)
(1) سنده حسن رواه أحمد 4 - 197 والبخاريُّ في الأدب 1 - 112 والبيهقيُّ في الشعب 2 - 91 وابن حبان 8 - 6 والحاكم 2 - 257 من طرق عدة عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه قال سمعت عمرو بن العاص يقول وعلي تابعى ثقة التقريب 1 - 36 وأبنه موسى حسن الحديث من رجال مسلم التقريب 1 - 186.
(2)
سنده قوي رواه الطبراني في الكبير 1 - 57 حدثنا فضيل بن محمد الملطي ثنا أبو نعيم ثنا مسعر عن أبي عون عن رجل من بني أسد وسند الطبراني صحيح لولا جهالة حال شيخ الطبراني رغم إكثار الطبراني للرواية عنه انظر الجرح والتعديل حيث سكت عنه 7 - 76 وله شاهد في الآحاد والمثاني 1 - 87 حدثني محمد بن عبد الله بن نمير أن عبدة بن سليمان حدثهم عن إسماعيل عن رجل من بني أسد قال رأيت أبا بكر وهذا السند رجاله ثقات ابن نمير ثقة حافظ فاضل وشيخه ثقة ثبت التقريب 2 - 180 و1 - 530 وشيخه إسماعيل ابن أبي خالد تابعى ثقة ثبت من رجال الشيخين التقريب 1 - 68.
إذا كان أبو بكر وعمر والعظماء أمثالهما تحت قيادة رجل لم يسلم إلا منذ أشهر فهناك تميز لهذا الرجل في مثل هذا الموقف .. فهل ستشير ذات السلاسل إلى الأفق الذي كان صلى الله عليه وسلم -يرمي بتصرفاته إليه ..
كانت المدينة في حالة طوارئ .. كان المسجد يموج بالمعنويات والحماس والرايات السوداء والوداع .. وبلال كان في حالة تأهب لحماية النبي صلى الله عليه وسلم .. أحد الصحابة قدم لتوه إلى المدينة وتساءل عما يجري داخل المدينة وقال: "قدمت المدينة فدخلت المسجد فإذا هو غاص بالناس وإذا رايات سود تخفق وإذا بلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت ما شأن الناس قالوا يريد أن يبعث عمرو بن العاص"(1)
رفرف الصحابة ورفرفت الرايات خلف عمرو بن العاص منطلقين شرقًا حتى أتوا على مشارف بلاد طي عندها طلب عمرو بن العاص رجلًا عارفًا بالدروب للاستفادة منه في الوصول إلى الهدف .. فأخبره الصحابة أنهم لا يعرفون سوى لص محترف وشهير يدعى: رافع الطائي وهو أعلم الناس بالصحاري والدروب خاصة في هذه المنطقة .. رافع نفسه يروي قصة انضمامه إلى جيش ذات السلاسل فيقول:
"بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم-عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل وبعث معه في ذلك الجيش أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وسراة أصحابه فانطلقوا حتى نزلوا جبل طي فقال عمرو انظروا إلى رجل دليل بالطريق فقالوا ما نعلمه إلا رافع بن عمرو فإنه كان ربيلًا في الجاهلية فسألت
(1) سنده حسن رواه الترمذيُّ 5 - 392 وغيره من طرق عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن الحارث بن يزيد البكرى قال وهو حسن من أجل الإمام عاصم وإلا فبقية رجاله ثقات: أبو وائل اسمه شقيق بن سلمة الأسدي وهو ثقة مخضرم -التقريب 1 - 354 وشيخه صحابي واسمه الحارث بن حسان.
طارقًا ما الربيل قال اللص الذي يغزو القوم وحده فيسرق" (1) ويذكر أحد الصحابة بعض أساليب رافع في البقاء حيًا في الصحاري بعد أن ينجح في سرقاته فيقول إنه: "كان لصًا في الجاهلية وكان يعمد إلى بيض النعام فيجعل فيه الماء ويضعه في المفازة" (2) للاستفادة منه بعد فراره حيث يدرك العطش من يلاحقه بينما يرتوي هو من ذلك البيض الفرغ المليء بالماء المفرق في الصحراء ..
وافق رافع على مرافقة جيش عمرو بن العاص لكن الغريب في الأمر أن أحد الصحابة تمكن من سرقة هذا اللص الطائي الشهير بل وأسره وإجباره على التعلم منه .. لكن قبل أن نعرف ذلك دعونا نسير مع هذا الجيش المؤمن الذي أصابه الجوع ولم يستطع رافع أن يقدم له شيئًا من بيض النعام .. لكن عوف بن مالك الأشجعي صاحب المجاهد اليماني وخصم خالد بن الوليد يتبرع للقيام بشيء قد يخفف من جوع بعض رفاقه ..
يقول عوف بن مالك رضي الله عنه: "غزونا وعلينا عمرو بن العاص
(1) حديثٌ حسنٌ سيأتي كاملًا بعد قليل وقد رواه الطبراني في الكبير 5 - 21 ثنا إسرائيل عن إبراهيم بن المهاجر عن طارق بن شهاب عن رافع بن عمرو الطائي قال وهذا السند صحيح لولا إبراهيم بن المهاجر وهو من رجال مسلم صدوق لين الحفظ لكن الحديث رواه من هو أوثق منه كما سيمر معنا في تتمة القصة.
(2)
سنده قوي رواه الإمام أحمد 6 - 24 والبيهقيُّ في الكبرى 6 - 120 والدلائل 4 - 404 والروياني 1 - 396 وغيرهم من طرق عن سعيد بن أبي أيوب وابن لهيعة جميعًا عن يزيد ابن أبي حبيب عن ربيعة بن لقيط أخبره عن مالك بن هدم يعني عن عوف بن مالك الأشجعى .. ابن لهيعة تابعه سعيد وهو ثقة ثبت من رجال الشيخين: التقريب 1 - 292 وشيخه يزيد تابعى ثقة فقيه من رجال الشيخين وشيخه ربيعة وكذلك مالك تابعيان وثقهما الإمام توثيقًا لفظيًا -159 و 419.