الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم قال: "أصبنا يوم خيبر غنمًا فانتهبها الناس فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وقدورهم تغلي فقال ما هذا .. فقالوا نهبة يا رسول الله قال اكفؤوها فإن النهبة لا تحل فكفؤوا ما بقي"(1) لأنها ليست لهم ولا يبرر الجوع أموال الغير .. ترى لو كان هؤلاء القوم من غير المسلمين .. هل يمكن السيطرة عليهم ..
كان اليهود غير بعيدين عن تلك المشاهد .. فتحركت النخوة داخل نفوسهم .. كان كرمًا .. لكنه:
كرم بنكهة يهودية
تحركت عواطفهم .. ورشَّحوا لإثبات تلك العواطف امرأة قامت بشوي شاة ثم قدمتها للنبي صلى الله عليه وسلم .. الغريب في الأمر والمحير كذلك هو حرص المرأة على أن تلك الشاة هي مجرد هدية .. لا صدقة .. حتى تتأكد من عدم رفض النبي صلى الله عليه وسلم لها .. لأن الله قد حرم عليه الصدقة .. يقول كعب ابن مالك رضي الله عنه:
"إن امرأة يهودية أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية بخيبر فقال لها ما هذه؟ قالت هدية وحذرت أن تقول من الصدقة، فأكل وأكل أصحابه ثم قال لهم أمسكوا"(2) أما لماذا أمرهم بالتوقف عن الأكل .. فتلك معجزة إلهية .. فبعد أن "أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأكل القوم فقال ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة"(3) خيانتان لليهود في اليوم
(1) سنده قوي رواه عبد الرزاق 10 - 205 وغيره من طريق سماك بن حرب عن ثعلبة بن الحكم قال: وسماك تابعي صدوق من رجال مسلم انظر التقريب 1 - 333.
(2)
المعجم الكبير 70/ 19 - 137 ومعمر بن راشد في الجامع 11 - 28 طريق الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه والزهري تابعي ثقة وإمام معروف.
(3)
سنده صحيح رواه أبو داود 4 - 173 الدارمي 1 - 46 وغيرهما من طريق يونس وشعيب =
نفسه الذي عاهدوا فيه النبي صلى الله عليه وسلم .. في الأيام نفسها التي ناشدوا فيها هذا النبي أن يبقي على أرواحهم .. وأن يقبل شراكتهم الاقتصادية تلك .. ويبدو من سلسلة الغدر اليهودي إلى حدثت بعد وصول النبي عليه السلام إلى المدينة أن الخيانة تشكل نسبة مرتفعة من دمائهم .. ومع هذا فقد حاول صلى الله عليه وسلم استثمار حالة التوجس والخوف من انكشاف جريمتهم .. حاول استثمارها لصالحهم هم .. فهم وإن صدئ معدنهم إلا أنهم لا يزالون بشرًا أحياء .. وهاتان الصفتان تفتحان للمسلم فرصًا للدعوة .. حاول من خلالها أن يثبت لعنادهم أنه نبي مرسل .. وأنه لا عذر لهم في رفض الإِسلام سوى العناد والمكابرة .. يقول أبو هريرة رضي الله عنه: "لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيه سم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجمعوا لي من كان ها هنا من اليهود، فجمعوا له فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه؟ فقالوا نعم يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
من أبوكم؟ قالوا أبونا فلان.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتم بل أبوكم فلان.
فقالوا صدقت وبررت.
فقال هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟
فقالوا نعم يا أبا القاسم وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا.
= ابن أبي حمزة وغيرهما عن الزهري قال كان جابر بن عبد الله يحدث .. والزهري إمام ثقة وتابعى معروف والزهري عن جابر على شرط البخاري.
قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أهل النار؟
فقالوا: نكون فيها يسيرًا ثم تخلفوننا فيها.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخسؤوا فيها والله لا نخلفكم فيها أبدًا.
ثم قال لهم: فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟
قالوا: نعم.
فقال: هل جعلتم في هذه الشاة سمًا؟
فقالوا: نعم.
فقال: ما حملكم على ذلك؟
فقالوا: أردنا إن كنت كذابًا نستريح منك وإن كنت نبيًا لم يضرك" (1) ..
ها قد تبين أنه نبي وأنه ليس بكذاب ثم ماذا؟ لاشىء .. لم يسلم أولئك اليهود .. لم يتركوا عنادهم ودينهم .. لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركهم .. هناك جريمة وهناك مجرمون .. وهناك صحابة تغلغل السم في أحشائهم وهم الآن على فراش المرض .. وهناك تشريع جنائي عادل .. طلب صلى الله عليه وسلم إحضار الجاني .. فأحضرت المرأة المجرمة وتمت مساءلتها علنيًا من قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
"فجيئ بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت: أردت لأقتلك. قال: ما كان الله ليسلطك على ذاك أو قال عليَّ. قالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا"(2).
(1) صحيح مسلم 4 - 1721.
(2)
صحيح مسلم 4 - 1721.