الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أرض خيبر
..
وفي إحدى حصونها .. تزف الآن أميرة إلى أمير .. يحتفل اليهود بذلك الزفاف على طريقتهم الخاصة .. توجه العروسان إلى مخدعهما بعد أن حل الظلام على تلك الأرض وتلك الحصون ..
وبعد أن نامت العروس ونام الأمير ونام الجميع ساد السكون والظلام على أرض خيبر وسمائها ..
وفجأة ظهر البدر في السماء .. لم يشاهده أحد سوى الأميرة .. وعندما رمته بطرفها هوى بين يديها واستقر برفق في أحضانها ..
انتبهت الأميرة فإذا هو حلم لكنها لا تعرف تفسيره ..
وعندما استيقظ أميرها توجهت إليه بود علها تجد لديه تفسيرًا لذلك الحلم ..
لكن ذلك الأمير كان أرعنًا عديم التهذيب .. فقبل أن ينطلق لسانه بالتفسير .. انطلقت قبضته القاسية نحو ذلك الوجه الجميل بلكمة شديدة اخضرت منها عيناها ..
ثم بصق بكلمات هي أشد من تلك اللكمة على مشاعر تلك الفتاة .. لقد اتهم هذا الجلف المدعو: (كنانة بن أبي الحقيق)(1) هذه الفتاة بأنها تحلم بالزواج من ملك المدينة يعني النبي محمد عليه السلام ..
(1) هو ابن زعيم خيبر الذي قتله الصحابي عبد الله بن عتيك داخل حصنه في خيبر .. واسمه سلام
بن أبي الحقيق وقد مرت معنا قصة أغتياله لأنه كان أحد المتآمرين في غزوة الخندق، وهو الذي آوى زعيم بئ النضير حيي بن الأخطب والد هذه الفتاة. وقد قتل حيي في المدينة بعد قدومه من أرض خيبر لتأجيجه الخيانة والغدر بالمسلمين من خلال تحريضه بني قريظة.
بينما تقول تلك الأميرة واسمها صفية بن حيي بن أخطب:
"كان رأسي في حجر ابن أبي حقيق وأنا نائمة فرأيت كأن قمرًا وقع في حجري فأخبرته بذلك [قلت لزوجي: إني رأيت فيما يرى النائم قمرًا وقع في حجري] فلطمني وقال: تمني ملك يثرب"(1) آلمتها تلك اللكمة .. وأحزنها ذلك التفسير لأنها تقول: "وما كان أبغض إلي من رسول الله .. قتل أبي" حيي بن أخطب. إذًا فهذان العروسان يحملان بغضًا شديدًا لهذا النبي القادم من ديار صفية .. من المدينة .. وهما يشتركان في حمل ثأر ثقيل ومرير .. أما النبي صلى الله عليه وسلم فهو في طريقه إلى خيبر .. وقبل خروجه من المدينة توجه بحديثه إلى صاحبه الكريم أبي طلحة زوج أم سليم فـ"قال لأبي طلحة: التمس غلامًا من غلمانكم يخدمنى حتى أخرج من خيبر"(2).
لم يجد أبو طلحة أنسب من أنس بن مالك ابن زوجته أم سليم رضي الله عنهم جميعًا .. استبشر أنس هذه الوظيفة - الشرف .. وحدث من حوله فقال: "فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل"(3).
كان ذلك المسير يهدف إلى تجفيف منابع الغدر المنحدر من أرض
(1) سنده صحيح رواه ابن حبان واللفظ له (11/ 607) والطبرانيُّ والزيادة له (24/ 67): من طريق الإِمام الثقة حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر .. وعبيد الله ابن عمر بن حفص ثقة ثبت، من أوثق الناس رواية عن التابعي الإِمام الثقة نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب .. انظر التقريب (1/ 537) ورواه أيضًا البيهقي في الكبرى (9/ 137) والشيباني في الآحاد والمثاني (5/ 441)(414).
(2)
صحيح مسلم 2 - 993.
(3)
صحيح مسلم 2 - 993.
خيبر .. أما تاريخ المسير فكان في شهر محرم .. وفي الطريق كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ كل احتمالات الخطر .. وعندما وصل صلى الله عليه وسلم إلى وادٍ بين غطفان وخيبر يقال له الرجيع .. توقف لقطع أي إمداد عسكري قد تقوم به غطفان لأصدقائها اليهود .. يقول أحد الصحابة إن النبي صلى الله عليه وسلم: "سار إلى خيبر في المحرم .. فنزل رسول الله بالرجيع -واد بين خيبر وغطفان- فتخوف أن تمدهم غطفان .. فبات به حتى أصبح فغدا إليهم"(1).
كان مسير ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وجيشه حالة من التماهي والود تثير المشاعر والدهشة .. كان صلى الله عليه وسلم في مسيره ذلك يفتح لهم قلبه .. يفتح لهم الكنوز ليأخذوا منها ما شاءوا فـ"لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أو لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف الناس على واد .. فرفعوا أصواتهم بالتكبير:
الله أكبر .. الله أكبر
لا إله إلا الله
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أربعوا على أنفسكم .. إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا .. إنكم تدعون سميعًا قريبًا .. وهو معكم" (2) يقول ذلك الصحابي:
"وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فسمعني وأنا أقول:
لا حولى ولا قوة إلا بالله.
(1) سنده صحيح رواه ابن إسحاق ومن طريقه البيهقي في الدلائل 4 - 197 حدثني الزهري عن عروة عن مروان بن الحكم والمسور .. وهذا السند هو سند صلح الحديبية والسابق وهو صحيح.
(2)
صحيح البخاري 4 - 1541.
فقال لي: يا عبد الله بن قيس .. قلت: لبيك يا رسول الله.
قال: ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة؟
قلت: بلى يا رسول الله .. فداك أبي وأمي.
قال: لا حول ولا قوة إلا بالله" (1).
ورآه مولاه شقران رضي الله عنه في فسحة جديدة لهذه الأمة .. وسياحة مع الله دون مشقة أو تعب .. يقول شقران: "رأيته يعني النبي صلى الله عليه وسلم متوجهًا يوم خيبر على حمار، يصلي يومئ إيماء"(2).
دون الحاجة إلى مس ظهر الحمار أو مس وجه الأرض .. أو القيام عليها .. بل دون التوجه إلى القبلة .. وكان صلى الله عليه وسلم لا يبالي أين اتجه به الحمار. يقول ابن عمر رضي الله عنه: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو موجه إلى خيبر"(3) وخيبر في جهة الشمال والطريق متعرج والنبي يحتاج إلى التعرج معه .. ويقول ابن عمر "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته حيث توجهت به"(4).
وكان صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه في كل جهة .. فلم يكن بمعزل عنهم مكتفيًا بإصدار الأوامر والنواهي .. كان يشملهم برعايته ويحتضنهم بقلبه .. "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في المسير فيزجي الضعيف ويردف ويدعو لهم"(5).
(1) صحيح البخاري 4 - 1541.
(2)
حديثٌ حسنٌ رواه أحمد 3 - 495 والطبراني في المعجم الأوسط 3 - 149 من طريق مسلم ابن خالد الزنجي عن عمرو بن يحيى عن شقران. ومسلمٌ صدوق له أوهام كثيرة لكن يشهد للحديث ما بعده.
(3)
صحيح مسلم 1 - 487.
(4)
صحيح مسلم 1 - 486.
(5)
سنده صحيح رواه أبو داود 3 - 44 وغيره من طريق إسماعيل بن علية، ثنا الحجاج بن أبي =
وكانوا كلهم يخدمونه .. ويتسابقون من أجل ذلك رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حدد من يخدمه ..
هذا أحدهم أنس بن مالك يقول رضي الله عنه: "إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي طلحة التمس غلامًا من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر، خرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل فكنت أسمعه كثيرًا يقول: اللَّهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجن وضلع الدين وغلبة الرجال"(1) سمع أنس ذلك الدعاء، لكن غيره: سمع دعاء جديدًا وذلك بعد صلاة الفجر .. خلال تلك الأجواء الساحرة .. وليس هناك أجمل من فجر الصحاري .. وليس هناك ألذ من النهوض فيها .. كان صلى الله عليه وسلم "يحرك شفتيه بشيء بعد صلاة الفجر، فقيل له: يا رسول الله .. إنك تحرك شفتيك بشيء ما كنت تفعله .. فما هذا الذي تقول؟ قال صلى الله عليه وسلم: أقول: اللَّهم بك أحاول وبك أقاتل وبك أصاول"(2). فجر جديد معطر بالنشاط والتوحيد .. حمل الصحابة رضي الله عنهم مع نبيهم حتى وصلوا إلى مكان يقال له: الصهباء .. وذلك قبل العصر .. وكان: الوصول إلى الصهباء يعني الاقتراب جدًا من خيبر .. فالصهباء هي أول منطقة خيبر .. يقول أحد
= عثمان عن أبي الزبير أَن جابر بن عبد الله حدثهم قال أبو الزبير لم يدلس والحجاج ثقة من رجال الشيخين: التقريب 1 - 153 وكذلك إسماعيل: 1 - 65.
(1)
صحيح البخاري ج:3: 1059.
(2)
سنده صحيح رواه ابن حبان 5 - 374 وغيره من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب .. وعبد الرحمن تابعى كبير وثقة من رجال الشيخين. التقريب 1 - 496 وكذلك ثابت، أما حماد فإمام ثقة لكنه من رجال مسلم فقط.