الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فما يلوي أحد منهم عنقه. وكان معي ترس لي، فكانت الريح تضربه علي، وكان فيه حديد، فضربته الريح حتى وقع بعض ذلك الحديد على كفي، فأبعدها إلى الأرض) (1) وسط هذا الجو العاصف البارد .. كانت الريح معركة وحدها .. أشغلت كل إنسان بنفسه .. فصار لا يدري ما حوله ولا من حوله .. وخلال هذا الجو المخيف .. كان صلى الله عليه وسلم يناجي ربه الذي أنزل نصره .. وأرسل ريحه .. كان الجميع مشغولين بأنفسهم .. ونبي الله صلى الله عليه وسلم مشغول بصلاته ودعائه .. لكن ماذا عن الجهة الأخرى من الخندق .. ماذا عن الوثنين وماذا فعلت بهم الريح ..
الريح في معسكر الوثنيين
النبي صلى الله عليه وسلم يتساءل أيضًا عن أحوالهم .. فقد هتف صلى الله عليه وسلم بالقلة المحيطين به ونادى بالتطوع لاكتشاف ما حل بالمشركين لكنه لم يجد مجيبًا .. ثم هتف فلم يجبه أحد .. وكرر ثالثة .. فكانت الريح والبرد هي الإجابة .. ولما رأى صلى الله عليه وسلم أن التطوع في هذه الساعة صعب .. أمر صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة .. فنفذ ما أمره به .. هذا الصحابي .. هو ابن حسيل .. حذيفة ذلك الرجل الصالح الذي استشهد أبوه في معركة أحد بسيوف المؤمنين يحدث من
(1) سنده قوي رواه ابن جرير (تفسير ابن كثير- الأحزاب) حدثنا يونس ابن وهب، حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ..
ونافع تابعي إمام ثقة معروف، وعبيد الله ثقة ثبت مر معنا في الحديث السابق .. والراوي عنه ثقة ثبت حافظ من رجال الشيخين (التقريب- 1/ 460) وتلميذه ثقة من رجال مسلم واسمه يونس بن عبد الأعلي بن ميسرة الصدفي (التقريب- 2/ 385) والحديث عند الطبراني (12/ 368) والأوسط (مجمع البحرين- 5/ 108) من طريق الدراوردي عن عبيد الله وقد توبع هنا والحديث شاهد لبعض ما قبله.
حوله عن مهمته تلك الليلة عندما قال له أحد أصحابه:
(لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاتلت معه وأبليت.
فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك؟ لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب، وأخذتنا ريحٌ شديدة وقرٌّ (1)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟
فسكتنا. فلم يُجبه منا أحد، ثم قال:
ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟
فسكتنا. فلم يجبه منا أحد، ثم قال:
ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟
فسكتنا. فلم يجبه منا أحد. فقال:
قم يا حذيفة .. فأتنا بخبر القوم.
فلم أجد بدًا إذ دعاني باسمي أن أقوم. قال: اذهب، فأتني بخبر القوم، ولا تذعرهم علي (2).
فلما وليت من عنده، جعلت كأنما أمشي في حمام (3)، حتى أتيتهم، فرأيت أبا سفيان يصلي (4) ظهره بالنار، فوضعت سهمًا في كبد القوس، فأردت أن أرميه، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا تذعرهم علي (5)، ولو
(1) أي البرد.
(2)
لا تثيرهم ولا تحركهم.
(3)
أي كأنه يسير في حمام دافئ معجزة من عند الله رغم شدة البرد.
(4)
أي يدفئ.
(5)
لا تثيرهم ولا تحركهم.
رميته لأصبته، "فذهبت، فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قدرًا ولا نارًا ولا بناءً [فحس أبو سفيان أنه دخل فيهم من غيرهم] فقام أبو سفيان، فقال:
يا معشر قريش: لينظر امرؤ من جليسه.
قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي، فقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان.
ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع، والخف (1)، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء فارتحلوا فإني مرتحل فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام، فلما أتيته، فأخبرته بخبر القوم، وفرغت، قررت (2)، فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائمًا حتى أصبحت. فلما أصبح صلى الله عليه وسلم قال: قم يا نومان (3)) (4).
فقد أصبحت المدينة وأصبح الملك لله .. وأصبح النصر لله ورسوله ..
(1) الكراع يعني الخيل والخف الإبل.
(2)
أي بردت.
(3)
يا كثير النوم .. يمازحه صلى الله عليه وسلم.
(4)
حديث صحيح رواه مسلم (الجهاد- غزوة الخندق) والزوائد -ما بين الأقواس الصغيرة- ليست لمسلم إنما هي حسنة لغيرها رواها ابن إسحاق بسند يحتمل الانقطاع بين حذيفة ومحمَّد بن كعب القرظي وهو تابعي كبير أدرك عليًا وروى عنه (ابن هشام- 3/ 139) ويقويه ما عند البيهقي (3/ 450) وفي سنده موسى بن أبي المختار وهو يحتاج إلى توثيق -الجرح والتعديل (8/ 164).