الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: "مروا على فلان الغطفاني فـ" نحر لهم فلان جزورًا "فلما أخذوا يكشطون جلدها" فلما كشفوا جلدها رأوا غبارًا، فقالوا: أتاكم القوم، فخرجوا هاربين.
فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة. ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين: سهم الفارس، وسهم الراجل، فجمعها لي جميعًا، ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء، راجعين إلى المدينة) (1).
كان سلمة أسطورة من الشجاعة والإقدام .. كان جسدًا مفتولًا لله .. يعرق في دروب الشهادة وينزف .. كان قلبًا ينبض بالفداء والجسارة .. فلا عجيب أن بايعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات .. ولا عجيب أن بايعه على الموت .. تمتع سلمة بمرادفة النبي صلى الله عليه وسلم على العضباء .. تمتع بلمس جسده الكريم .. وفي ساعات الجد تلك كان لسلمة رغبة في اللهو والتحدي .. في طريق المدينة وأمام عينيه صلى الله عليه وسلم وبين يديه مارس سلمة ورجل من الأنصار لهوًا وتحديًا ومرحًا.
سلمة يسابق رجلًا من الأنصار يتحدى الجميع
يواصل سلمة رضي الله عنه بقية حديثه فيقول:
(ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة، "فلما كان بيننا وبينها قريب من ضمرة" فبينما نحن نسير، وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدًا، فجعل يقول:
(1) حديث صحيح رواه مسلم - الجهاد (1807) والزوائد للبيهقي (4/ 182) وهي صحيحة .. وقد رواه البيهقي من طريقين عن هاشم بن القاسم وهو أحد رواة مسلم لهذا الحديث به.
ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟
فجعل يعيد ذلك، فلما سمعت كلامه "وأنا وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم مردفى " قلت: أما تكرم كريمًا، ولا تهاب شريفًا؟ قال: لا، إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله .. بأبي وأمي، ذرني فلأسابق الرجل. قال: إن شئت.
قلت: أذهب إليك "فطفر عن راحلته" وثنيت رجلي، فطفرت فعدوت، فربطت عليه شرفًا أو شرفين أستبقي نفسي، ثم عدوت في إثره، فربطت شرفًا أو شرفين، ثم إني رفعت حتى ألحقه، فأصكه بين كتفيه. قلت: قد سبقت .. والله "فضحك و" قال: أنا أظن. فسبقته إلى المدينة) (1) مشهد بريء ومفرح ..
ومرح متاح يمارسه هؤلاء الفرسان العظماء .. بعيدًا عن التنطع والتطرف .. لأنهم بين يديه صلى الله عليه وسلم .. ويداه كانتا ربيعًا .. ينثال ذلك الربيع للجميع ..
والجميع الآن في المدينة .. يرتاحون من عناء الحديبية، وذي قرد .. ويغتسلون من غبار السفر .. كانت المدينة بانتظارهم .. لكنها لم تكن بانتظار هذا الفارس الذي تعشقه مثلهم .. لكنها لا تستطيع احتضانه .. هذا الفارس الذي أتعبه الشوق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولم يتعبه الأسر ولا السفر ولم تستطع أغلال قومه تحطيمه .. هو الذي حطمها وفر كالريح نحو مدينة الحرية والإيمان.
وصل هذا المشتاق إلى المدينة فإذا هو:
(1) حديث صحيح وهو جزء من حديث مسلم السابق.