الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في أحد .. لكن خيانة اليهود تثير الخوف .. وليس هناك وقت لبناء أسوار كأسوارهم .. فليكن الحفر بدلًا من البناء ..
حفر الخندق
قرّر صلى الله عليه وسلم أن يحفر خندقًا يحصن به الجهة الشمالية للمدينة من هجمات قريش ومن معها .. لأن بقية الجهات صعبة الاقتحام لكثرة النخيل والصخور والجبال .. وفنّ القتال لا يعني المهارة باستخدام السلاح فقط .. بل المهارة في استخدام وتسخير كل شىء يحيط بالمحارب .. وقد تفنّن صلى الله عليه وسلم في تسخير تضاريس المدينة وطبيعتها في هذه الحرب القادمة .. غير المتكافئة عددًا واستعدادًا .. جهة الشمال مفتوحة لاحتمالات مخيفة .. فقرّر صلى الله عليه وسلم إغلاقها .. فبدأ حفر الخندق .. بدأ بحفره بيديه .. فهو الذي ضرب أوّل معول في ذلك الخندق الذي سوف يشكّل مفاجأة للوثنيين واليهود ومن معهم .. فقد:
(ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق بيديه، ثم قال:
بسمم الله وبه بدينا
…
ولو عبدنا غيره شقينا
حبذا ربنا وحبذا دينا) (1)
(1) سنده صحيح رواه الحارث (المطالب- 4/ 404) حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان رضي الله عنه ..
وهذا السند صحيح. معاوية ثقة من رجال الشيخين وهو الأزدي - التهذيب (10/ 215) وشيخه ثقة حافظ من رجال الشيخين (التقريب-1/ 41).
وأما أبو عثمان النهدي فقد أدرك الجاهلية وأسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن الصحابة .. وقد ذكره الذهبي في (التجريد- 186) ضمن الصحابة فمرسله كمرسل الصحابي .. وليس ضمن شيوخه تابعي .. وقد روي موصولًا عن سلمان عند البيهقي لكن سنده ضعيف.
فتهاوت المعاول بعده تعزف خندقًا .. والحناجر تتغنى شعرًا وحماسًا .. وسط هذا الحماس والتفاني .. كنت لا تدري هل كان النبي صلى الله عليه وسلم معهم أم هم الذين كانوا معه .. وسط ذلك الجو الشتوي البارد .. خلال ذلك الغبار المنبعث من الخندق .. لا تستطيع تمييز القائد من الأتباع .. أحد الصحابة اسمه سهل بن سعد يقول: (كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق، وهم يحفرون ونحن ننقل التراب على أكتادنا)(1) أما البراء بن عازب فيقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل معنا التراب يوم الأحزاب، ولقد رأيته وارى التراب "شعر" بطنه "وكان رجلًا كثير الشعر")(2).
(كان صلى الله عليه وسلم ينقل التراب حتى وارى شعر صدره، وكان رجلًا كثير الشعر، وهو يرتجز برجز عبد الله "بن رواحة":
اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا
…
وثبّت الأقدام إن لاقينا
إن الأعداء قد بغوا علينا
…
إذا أرادوا فتنة أبينا
يرفع بها صوته "أبينا .. أبينا""يمد صوته بآخرها") (3).
كان صلى الله عليه وسلم يحمس من حوله بأبيات الصحابي الشاعر عبد الله بن رواحة .. رافعًا ومادًّا بها صوته .. وكان لا بد من فعل ذلك .. فالجو مشحون بالجوع والبرد والحذر ..
لم يكتف صلى الله عليه وسلم بذلك .. كان يذرع المنطقة .. يتفقّد كل شيء .. يحتاط لكل شيء .. ثم يعود لمحاربيه .. يشجّعهم .. يحفر معهم .. يدعو لهم ..
(1) حديث صحيح رواه البخاري (4098).
(2)
حديث صحيح رواه البخاري (7236) والزوائد له (3034).
(3)
حديث صحيح رواه البخاري (3034) والزوائد له (4104 - 4106).