الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكن ماذا بعد ثلاثة أيام من الجوع والطعام القليل .. بشع الطعم والرائحة .. إن رحمة الله قريب من المؤمنين .. جاءت المعجزة في بيت جابر .. فزال عن المؤمنين شيئًا ممّا بهم.
طعام جابر والمعجزة
جابر بن عبد الله .. الصحابي العظيم .. ابن الصحابي العظيم .. الذي يعول تسع أخوات وزوجته .. يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه ليس كاستئذان المنافقين .. لم يذهب لبيته كما يذهب ذلك المنافق طلبًا للراحة بين أهله والطعام والشراب .. لكنه رأى منظرًا أحزنه وآلمه أشدّ الألم فلم يستطع البقاء في مكانه .. حاول أن يخفّف عن ذلك المتألم شيئًا ولو قليلًا .. إنها على أقلّ الأحوال محاولة.
يقول رضي الله عنه: (كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق نحفر فيه، فلبثنا ثلاثة أيام لا نطعم شيئًا، ولا نقدر عليه، فعرضت في الخندق كدية (1)، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذه كدية قد عرضت في الخندق. "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا نازل" فرششنا عليها الماء، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبطنه معصوبة بحجر، فأخذ المعول، أو المسحاة، ثم سمى ثلاثًا، ثم ضرب، فعادت كثيبًا أهيل (2).
فلما رأيت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: يا رسول الله، ائذن لي .. فأذن لي، فجئت امرأتي فقلت: ثكلتك أمك، إني قد رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا لا صبر عليه "رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصًا شديدًا"(3)
(1) أرض صلبة .. صخرية.
(2)
رملًا متناثرًا.
(3)
جوعًا شديدًا.
فما عندك؟
قال: عندي صاع من شعير، وعناق (1).
فطحنّا الشعير، وذبحنا العناق، وأصلحناها، وجعلناها في البرمة (2)، وعجنت الشعير، ثم رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبثت ساعة، ثم استأذنته الثانية، فأذن لي، فجئت، فإذا العجين قد أمكن، فأمرتها بالخبز، وجعلت القدر على الأثافي (3)، "ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه"، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فساررته، فقلت:
إن عندنا طعيمًا (4) لنا، فإن رأيت أن تقوم معي أنت ورجل أو رجلان معك فعلت.
فقال صلى الله عليه وسلم: ما هو وكم هو؟ قلت: صاع من شعير وعناق.
قال: ارجع إلى أهلك فقل لها: لا تنزع البرمة من الأثافي، ولا تخرج الخبز من التنور حتى آتي. ثم قال للناس: قوموا إلى بيت جابر، "فقام المهاجرون والأنصار".
قال: فاستحييت حياءً حتى لا يعلمه إلَّا الله. فقلت لامرأتي: "قد افتضحت ثكلتك أمك، وقد جاءك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أجمعون".
"فقالت: بك وبك. فقلت: قد فعلتُ الذي قُلت".
فقالت: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سألك عن الطعام؟ قلت: نعم.
(1) أنثى الماعز لم تبلغ الحول.
(2)
القدر.
(3)
الأحجار التي يوضع عليها القدر عند الطبخ.
(4)
طعام قليل.