الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نادى منادي رسول الله" (1) بشيء أبقى البطون خاوية .. فقد جاء فقال: "يا رسول الله أكلت الحمر ثم جاء آخر فقال يا رسول الله أفنيت الحمر فأمر رسول الله أبا طلحة فنادى إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس أو نجس .. فأكفئت القدور بما فيها" (2).
امتثل الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلبوا قدورهم .. واتجهوا إلى الخيل والبغال -وهي قليلة- علها تسد ما بهم من مجاعة .. يقول جابر بن عبد الله: "ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل"(3) ولم يقتصر التحريم على هذين النوعين من الحيوانات فقط .. لقد حرم صلى الله عليه وسلم لحوم حيوانات أخرى .. وحرم ممارسات أخرى ..
فبعد أن قال عليه السلام إثر غزوة الخندق .. : "الآن نغزوهم ولا يغزوننا" .. وبعد صلح الحديبية .. ونزول سورة الفتح .. وبعد فتح خيبر ..
بدأ عمليًا توجه الإسلام نحو العالمية
بعد أن ظهر من رحم مكة ونهض من مهد المدينة .. ها هو الإِسلام يتهادى نحو العالم .. نحو جهات الدنيا الفسيحة كلها .. لم يعد الإِسلام مقتصرًا على المهاجرين والأنصار ولا على المدينة فقط .. ولا حتى على القرن الهجري الأول .. إنه للعالم .. للدنيا بأسرها .. ولكل القرون .. وما دام
(1) حديث صحيح رواه مسلم.
(2)
حديث صحيح رواه مسلم.
(3)
حديثٌ حسنٌ رواه أبو داود 3 - 351 وغيره من طريق أبي الزبير عن جابر. وأبو الزبير تابعي ثقة لكنه مدلس وهو هنا لم يصرح بالسماع من شيخه جابر، لكنه لم ينفرد فقد توبع، تابعه التابعي الثقة أبو سلمة بن عبد الرحمن.
الإِسلام بهذه المقاييس .. فلا بد أن يقدم مشروعًا يتضمن حلول الحاضر والمستقبل مهما بلغت البشرية من المدنية أو التحضر والرقي .. خيبر اليوم هي إحدى نقاط الانطلاق نحو العالم .. نحو مشاكل العالم والإنسانية ..
في خيبر لم يعد الإِسلام مأخوذًا بالتطهير الفكري والعقائدي فقط .. في خيبر أبحر الإِسلام إلى جزر عذراء وأراض جديدة .. يقدم للبشرية مشروعه الجميل .. ليكون للحياة طعم جميل ونظيف .. ليكون للإنسان غذاء نقي ونظيف.
في خيبر قدم صلى الله عليه وسلم قائمة ببعض الممنوعات من الأطعمة والممارسات .. ممنوعات تجعل صحة المسلم وحياته أكثر إشراقًا ونظافة .. يقول جابر رضي الله عنه:
"لما كان يوم خيبر أصاب الناس مجاعه فأخذوا الحمر الإنسية فذبحوها وملؤوا منها القدور فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفأنا القدور فقال: إن الله عز وجل سيأتيكم برزق هو أحل لكم من ذا وأطيب من ذا، فكفأنا يومئذ القدور وهي تغلي فحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الحمر الإنسية ولحوم البغال وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطيور وحرم المجثمة والخلسة والنهبة"(1). وقال أبو ثعلبة
(1) حديثٌ حسنٌ ورجاله ثقات وسنده ضعيف: رواه الإِمام أحمد (3 - 323) حدثنا عبد الله حدثني أبي، ثنا هاشم بن القاسم ثنا عكرمة يعني ابن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله .. وسنده ضعيفٌ نظرًا لاضطراب رواية عكرمة عن يحيى - التقريب (1/ 30) لكن للحديث طرق أخرى عند أحمد (4/ 194) والطبرانيُّ في الكبير (22/ 216) ومسند الشاميين (2/ 183) وهو الحديث التالي: عن بقية عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه وهو ما بعده ولألفاظ الحديث شواهد صحيحة متفرقة.
الخشني رضي الله عنه: "غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر والناس جياع فوجدنا منها حمرًا من حمر الأنس فذبح الناس منها فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر عبد الرحمن بن عوف فأذن في الناس: إن لحوم الحمر الإنسية لا تحل لمن شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فكفأوا القدور بما فيها ووجدوا في جوانبها بصلًا وثومًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحل النهبة ولا كل ذي ناب من السباع ولا تحل المجثمة"(1). من تأمل قائمة الممنوعات تلك يجدها بوابة لكثير من المتاعب الصحية .. لا سيما مع تمدن البشرية القادم وتكاثرها السريع. مما يجعل التأكيد على نقاء الطعام وسلامته أمرًا لا يقبل التهاون .. بل إن الطب ينصح بالاستغناء عن قائمة طويلة من الأطعمة الطيبة إرضاءً للصحة .. فكيف إذا كانت هذه الأطعمة تشتمل على الحمار والبغل اللذين لا يباليان بما يدخل أجوافهما من المزابل وغيرها .. أو الحيوانات المفترسة التي لا تفرق عندما تجوع بين الجيفة وغيرها .. مما يجعلها جميعًا مستودعًا للأوبئة المجهولة والخطيرة .. أما المجثمة ففى تحريم أكلها احترام لحقوق الحيوان في وقت كان العالم لا يرى للحيوان حقوقًا .. حرم الإِسلام المجثمة التي يتسلى الجهلة بربطها وجعلها هدفًا للتدريب على الرماية حتى الموت ولو كانوا يدعون أنهم سيأكلونها في النهاية .. ويدخل في المجثمة تلك الثيران التي يتسلى النصارى بتعذيبها ومصارعتها وتمزيق جسدها بالرماح والسيوف .. فالغاية لا تبرر الوسيلة في الإِسلام .. أما النهب والسلب فمن الجرائم الكبيرة التي تنتهك خصوصيات الناس وأموالهم .. وهي أشياء لا يجوز المساس بها مهما كانت الأسباب ..
(1) انظر ما قبله.
امتثل الصحابة لأن الذي يتحدث نبي مرسل .. ولأنه لا ينطق عن هوى أو رؤية شخصية .. ثم قاموا بالبحث عن أي شيء يطفئ لهب الجوع وسعيره .. فلم يجدوا سوى الأرض ..
قال أبو سعيد رضي الله عنه: "فتحت خيبر فوقعنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك البقلة الثوم والناس جياع فأكلنا منها أكلًا شديدًا ثم رحنا إلى المسجد فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الريح فقال من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئًا فلا يقربنا في المسجد فقال الناس حرمت .. حرمت .. فبلغ ذاك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحل الله لي ولكنها شجرة أكره ريحها"(1)"فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم"(2) فالزينة في قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (3) ليست في اللباس فقط .. فالرائحة الزكية من أجمل الأشياء التي يفضل اصطحابها إلى المسجد .. ومن أسرار عظمة الإِسلام تسليطه الأضواء على الجمال مهما كانت الأجواء معتمة والعقول مشغولة والنفوس مشحونة .. فالإنسان في ظرف كظرف الحرب والاجتلاد أو الحماس تمنحه نفسه ويمنحه حماسه مسوغات عديدة للقيام بممارسات قد تؤلم غيره فيتجاوز أهداف خروجه .. هنا يتميز الإِسلام عن غيره من الأديان .. فلا مذابح جماعية .. لا انتقام .. لا تهور .. لا سلب ولا نهب .. بل انضباط والتزام وإلا فإنه ليس بجهاد .. والموت فيه ليس بشهادة.
ها هو الجوع مرة أخرى يرغم بعض الصحابة على البحث المرير بعد نفاذ الصلح .. لكن النتيجة كانت أكثر مرارة. صحابي اسمه: ثعلبة بن
(1) حديث صحيح رواه مسلم 1/ 395 - 828.
(2)
حديث صحيح رواه مسلم 1/ 395 - 828.
(3)
الأعراف: 31.