الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ففعلوا .. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ثم صب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: اشرب .. فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله قال: إن ساقي القوم آخرهم شربًا .. فشربت وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فأتى الناس الماء جامين رواء" (1) ثم ارتحلوا متوجهين:
نحو وادي القرى
وهو مكان قريب من مدائن صالح .. وله اسم آخر هو: (قرح) .. ويبدو أن هذا الوادي مليء بالحدائق والنخيل واليهود .. وصل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .. ووصل معه صاحبه سلمان الفارسي وذكرياته المريرة على أرض هذا الوادي .. فقد وصل إليها منذ سنين مكبلا بالرق والمرارة .. بعد أن غدر به تجار من بني كلب .. سرقوا بقراته وباعوه إلى أحد اليهود
الذين يسكنون هذا الوادي المليء بالنخل انتظارًا لنبي تبشر به التوراة .. يقول سلمان رضي الله عنه وهو يتحدث عن مغادرته لأرض عمورية بعد موت كاهنها الصالح:
"لحقت بصاحب عمورية فأخبرته خبري فقال أقم عندي فأقمت عند خير رجل على هدي أصحابه وأمرهم قال واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة .. ثم نزل به أمر الله فلما حضر قلت له يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصى بي وبم تأمرني؟ قال أي بني والله ما أعلمه أصبح اليوم أحد على مثل ما كنا عليه من الناس آمرك به أن تأتيه .. ولكنه قد أظل زمان نبي وهو مبعوث بدين إبراهيم عليه السلام .. يخرج
(1) حديث صحيح رواه مسلم 1 - 473
بأرض العرب مهاجره إلى أرض بين حرتين بينهما نخل .. به علامات لا تخفى: يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وبين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. ثم مات وغيب ومكثت .. بعمورية ما شاء الله أن أمكث .. ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم احملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه .. قالوا: نعم فأعطيتهموها وحملوني معهم .. حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي، فكنت عنده عبدًا، ورأيت النخل فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق في نفسي فبينا أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من المدينة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة" (1) حيث النخل هناك أيضًا .. فالنخل في جزيرة العرب .. والنخل في التوراة .. تبشر اليهود بالنبي .. وها هو النبي .. وها هي النخيل .. وتحت كل نخلة في جزيرة العرب تجد يهوديًا .. كان ذلك في الماضي قبل أن يعرف اليهود أن هذا النبي من سلالة إسماعيل لا من سلالة إسحاق .. أما اليوم فتحت كل نخلة خيانة .. ووادي القرى ممتلئ باليهود .. توقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم .. ولم يجد مقاومة تذكر .. إلا سهمًا طائشًا أصاب خادمه مدعم .. فكان موت مدعم درسًا لهذا الجيش المؤمن .. رغم أنه سهم طائش لا يعرف من أرسله .. يقول أبو هريرة رضي الله عنه: "افتتحنا خيبر ولم نغنم ذهبًا ولا فضة إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى ومعه عبد له يقال له مدعم أهداه له أحد بني الضباب .. فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر حتى أصاب ذلك العبد .. فقال الناس: هنيئًا له الشهادة .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل:
(1) السيرة النبوية 2 - 44 بسند صحيح وقد مر تخريجه عند الحديث عن إسلام سلمان.
عليه نارًا .. فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو بشراكين فقال هذا شيء كنت أصبته .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شراك أو شراكان من نار" (1) يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد فلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بن الخطاب اذهب فناد في الناس: أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال فخرجت فناديت: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المومنون" (2) هذا هو الغلول .. أخذ شيء من مال الدولة المسلمة دون إذن .. وتحت أي مبرر .. حتى هذا الرجل الفقير المجاهد لم يسلم من ناره .. فكيف بمن يأخذ شيئًا وقت السلم .. وكيف بمن يأخذ شيئًا لا لحاجة بل لمجرد زيادة ثروته .. سواء كان بالسرقة أو النهبة أو السلطة أو القوة أو حتى على شكل هدايا يتلقاها بصفته موظفًا في الدولة؟! يقول صلى الله عليه وسلم "هدايا العمال غلول" (3) الإِسلام جاء لإنصاف الفقراء لكنه لم يأت للمزايدة بقضاياهم وأزماتهم .. فعلى الفقراء كغيرهم مسؤولية وعليهم النهوض بها .. فالجنة مفتوحة للجميع وكذلك جهنم .. جهنم ترحب بمن يريدها .. وبهذا المنهج يتحول الفقير إلى طاقة فاعلة ومنضبطة .. لا طاقة هائجة ثائرة تحطم كل شيء .. وتحرق اليابس والأخضر باسم الفقر والفقراء .. هذا هو جيش محمَّد صلى الله عليه وسلم معظمه من الفقراء والمحتاجين وأهل الصفة .. ومع ذلك فهو قمة في الانضباط وتحمل المسؤولية .. ولا أدل على ذلك من قول إحدى أمهات المؤمنين وزوجة قائد هذه الأمة .. الطاهرة
(1) حديث صحيح رواه البخاري 4 - 1547.
(2)
صحيح مسلم 1 - 107.
(3)
حديث صحيح رواه الإِمام أحمد 5 - 424.