المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل الروم - السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة - جـ ٣

[محمد الصوياني]

فهرس الكتاب

- ‌معركة ثانية على أرض بدر

- ‌تحريم الخمر

- ‌تحريم الميسر

- ‌انتهت عدة زينب بنت جحش

- ‌سبب زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب

- ‌زيد يخطب زينب للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌زواج زينب فرح وتحول

- ‌الوليمة والهدايا والمعجزات

- ‌لنزول الحجاب قصة

- ‌الشبخ يتسلّل لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌متى أهدى عمر قلبه

- ‌دعوني أحدّثكم عن الحب

- ‌تعالوا أحدّثكم عن الحب والرحمة

- ‌يا هزال لو سترته بثوبك

- ‌المقارنة بين العرض وغيره

- ‌خطر قادم من قبيلة بني المصطلق

- ‌غزو بني المصطلق

- ‌القرعة تقع على عائشة

- ‌إغارة كالبرق

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم يسبق عائشة

- ‌مهلًا يا أمّاه

- ‌عاصفتان ونفاق

- ‌توزيع الغنائم .. توزيع الرحمة

- ‌دخلت فدخلت الرحمة على قومها

- ‌شهر من المعاناة

- ‌متى علمت عانشة بالإفك

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم يسأل زينب

- ‌استدعاء بريرة

- ‌رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب حزنًا

- ‌دعوة مكروب

- ‌براءة عائشة رضي الله عنها

- ‌إعلان البراءة واستدعاء الجناة

- ‌موقف أبي بكر الغاضب

- ‌مشادة بين أبي بكر وعمر

- ‌عبد الله بن أبيّ بن سلول هل كان قوادًا

- ‌قصة ابن عبادة مع القذف

- ‌ما هي الملاعنة

- ‌بساتين الحب

- ‌حزبين في بيت النبوّة

- ‌أم سلمة تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم وهو عند عائشة

- ‌عائشة تدعو على نفسها بالموت

- ‌حب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة إلى أي درجة

- ‌آثار غزوة بني المصطلق

- ‌غزوة سيف البحر

- ‌اليهود يجمعون الأحزاب

- ‌المشروع اليهودي من جديد

- ‌غطفاق تطلب ثمن انسحابها من الأحزاب

- ‌حفر الخندق

- ‌طعام رجال الخندق

- ‌ثلاثة أيام من الجوع والحفر

- ‌طعام جابر والمعجزة

- ‌معجزة أخرى

- ‌فتح فارس والروم واليمن

- ‌وضع النساء والأطفال داخل أحد الحصون

- ‌فارس يبحث عنا مبارز

- ‌كلمة السر

- ‌القتال يشتد

- ‌عائشة تخاف على سعد بن معاذ

- ‌هل أصيب سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌أمنية سعد بن معاذ قبل أن يموت

- ‌لقب الزبير

- ‌خيانة ثالثة لليهود

- ‌دعاء سيد البشر

- ‌استجاب الله دعاء نبيه

- ‌الريح في معسكر الوثنيين

- ‌الخندق مقبرة قوة قريش

- ‌إلى أين يحمل صلى الله عليه وسلم سلاحه

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم ينطلق إلى بني قريظة

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم يحاصرهم بالسيوف والشعر

- ‌قريظة تبحث عن مخرج

- ‌أبو لبابة يثير الرعب فى نفوس يهود

- ‌قريظة تطلب خيارًا ثالثًا

- ‌من الذين خرجوا من حصن بنى قريظة

- ‌المرأة الوحيدة التى ستقتل من بنى قريظة

- ‌قصة دينة بنت يعقوب

- ‌موقف المنافقين مما حدث لقريظة

- ‌دعاء سعد بعد قريظة

- ‌مات عثمان بن مظعون

- ‌لا يحكم لأحد -حتى عثمان- بالجنَّة

- ‌اليهود بعد موت سعد بن معاذ

- ‌قتل سلام بن أبى الحقيق

- ‌إسلام المغيرة بن شعبة

- ‌عمرو بن العاص يهرب من مكة

- ‌أبو رهم وأبو بردة وأبو موسى فى الحبشة

- ‌أم حبيبة تبكي في الحبشة

- ‌رسالة قبل الموت

- ‌النجاشى يهدى للنبى صلى الله عليه وسلم مهر أم حبيبة

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم يريد أداء العمرة

- ‌متى كانت عمرة الحديبية

- ‌موقف بعض الأعراب من الخروج للعمرة

- ‌التوقف بذى الحليفة

- ‌أمر النبي صلى الله عليه وسلم برصد تحركات قريش

- ‌مهمتان لأبى قتادة

- ‌التوقف في عسفان ووصول الجاسوس

- ‌قريش تتحرك لمواجهة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه فى شن الحرب

- ‌كيف صلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر

- ‌من عبر الثنية غفر الله له

- ‌القصواء تبرك في الحديبية

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم يعرض هدنة وقريش تريد قتل رسوله

- ‌من هؤلاء الفرسان وماذا يريدون

- ‌قتل عثمان واستعد عمر

- ‌متى كانت البيعة تحت الشجرة

- ‌ما هي بيعة سلمة المميزة

- ‌لماذا تخلف عثمان عن البيعة

- ‌قريش تحاصر الحديبية

- ‌عروة منبهر باحترام الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌قريش تبعث مكرز بن حفص

- ‌قريش تقاطع محادثة مكرز

- ‌أرقاء يهربون من قريش

- ‌هل حدثت معجزة ثانية على أرض الحديبية

- ‌محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌شروط صلح الحديبية

- ‌مأساة أبي جندل

- ‌لكن الصحابة لم يمتثلوا لأوامره صلى الله عليه وسلم

- ‌أم سلمة تشير على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم ينحر جمل أبي جهل

- ‌أسد يقال له: أبو بصير

- ‌بعض المشركين ينقضون المعاهدة

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم يعود بأصحابه إلى المدينة

- ‌قصة النوم حتى طلوع الشمس

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد على عمر

- ‌نزول سور الفتح

- ‌تحولت الركوة إلى نهر عذب

- ‌معجزة في الطعام أيضًا

- ‌على جبل بين الحديبية والمدينة

- ‌غزوة ذي قرد

- ‌سلمة يسابق رجلًا من الأنصار يتحدى الجميع

- ‌أبو بصير في المدينة

- ‌غزو خيبر

- ‌أبو هريرة في الطريق

- ‌علي بن أبي طالب يتخلف في المدينة

- ‌القمر الذي هوى في حصن خيبر

- ‌على أرض خيبر

- ‌لا أذان في حصون خيبر

- ‌أبو بكر يقود أول حملة على حصون خيبر

- ‌عمر بن الخطاب يقول الحملة الثانية

- ‌ملك خيبر يبحث عن مبارز

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم ينادي عليًا

- ‌لا تلتفت

- ‌معجزة لجراح سلمة

- ‌ابتسامة النبي صلى الله عليه وسلم في وجه عبد الله بن مغفل

- ‌بطل آخر إلى النار

- ‌بريدة والموت الأحمر

- ‌الاستسلام والخيانة

- ‌كيف يعطي النبي صلى الله عليه وسلم خيبر لليهود

- ‌أكل لحوم الحمر الأهلية

- ‌بدأ عمليًا توجه الإسلام نحو العالمية

- ‌كرم بنكهة يهودية

- ‌القمر يستقر في حجر الفتاة

- ‌احترام السبايا

- ‌حكم جديد لزواج المتعة

- ‌البيع والشراء على أرض خيبر

- ‌ماذا عن النساء

- ‌صحابي يعود إلى قريش

- ‌الرحيل .. وقصة النوم عن الصلاة

- ‌قصة النوم والعطش والمعجزات

- ‌نحو وادي القرى

- ‌زفاف صفية

- ‌يسأل عن كدمة حول عين حبيبته

- ‌ما الذي حدث لصفية على أبواب المدينة

- ‌المدينة تعد مفاجأة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌مهاجرة تشكو عمر

- ‌المهاجرون يردون الجميل بالوفاء

- ‌بث السرايا من جديد

- ‌غزوة فزارة

- ‌سرية من أربعين رجلًا وامرأة تقود قومها إلى الإسلام

- ‌درس في حدود طاعة الأمراء

- ‌سرايا تحدد صلاحيات المجاهد المسلم

- ‌الأرض تلفظ جسد أحد المجاهدين

- ‌في سرية الحرقات أسامة يقتل رجلًا يقول لا إله إلا الله

- ‌اغتيال المنافقين

- ‌سرية الاثنى عشر شهيدًا

- ‌غزوة ذات الرقاع الثانية

- ‌غزوة نجد

- ‌عمرة القضاء

- ‌الزواج بميمونة

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم يقدم عرضًا لقريش

- ‌خالد بن الوليد وعمرو بن العاص يهاجران

- ‌مات النجاشى رحمه الله ورضي عنه

- ‌كرامة على قبر النجاشي

- ‌مراسلة الملوك والجبابرة

- ‌النبي عليه السلام يأمر بصنع خاتم

- ‌رد كسرى الفرس

- ‌رسالة إلى المقوقس ملك الإسكندرية

- ‌أزمة قريش

- ‌رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل الروم

- ‌إرسال عبد الله بن رواحة إلى خيبر

- ‌سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌مؤتة

- ‌ما هو القرار في مثل حال مؤتة

- ‌نصارى العرب يقاتلون مع الروم

- ‌صنيع اليمني

- ‌ جعفر

- ‌ابن رواحة والشعر والجنة

- ‌أين خالد بن الوليد

- ‌خالد بن الوليد واستراحة المحارب

- ‌خالد بن الوليد سيف من سيوف الله

- ‌ما الذي أغضب عائشة في ذلك اليوم الحزين

- ‌الخلاف بين الصحابي اليمني وخالد بن الوليد

- ‌غزوة ذات السلاسل

- ‌أبو بكر الصديق يتمكن من سرقة رافع

- ‌كلمات أبي بكر لرافع الطائي

- ‌شكوى ضد عمرو بن العاص

- ‌عمرو بن العاص في يبحث عن مكانه في قلب النبي صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل الروم

والمعتقد في أجواء نقية بعيدة عن الخرافة والظلم والجاهلية .. وانطلق الكثير من الممنوعين نحو مهوى الفؤاد محمَّد صلى الله عليه وسلم ومدينته المنورة بالحب والأنصار .. وعادت لقريش حرية التنقل نحو الشام واليمن بعد أن أمنت فتك أبي جندل ورفاقه .. وانطلق أبو سفيان في رحلة صيفية نحو الشام ليتزامن وصوله مع وصول:

‌رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل الروم

كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد استثمار فترة التواضع لله التي يمر بها هرقل ملك الروم بعد انتصار جيشه على جيش فارس .. حيث عاد ذلك الملك من مدينة حمص إلى بيت المقدس سيرًا على الأقدام شكرًا لله .. يقول أحد الصحابة:

"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإِسلام وبعث بكتابه إليه مع دحية الكلبي وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص إلى إيلياء شكرًا لما أبلاه الله فلما جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين قرأه: التمسوا لي ها هنا أحدًا من قومه لأسألهم"(1).

وهنا يكمل أبو سفيان القصة فيقول:

"انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب من النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وكان دحية الكلبي جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل:

فقال هرقل: هل ها هنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟

(1) صحيح البخاري 3 - 1074.

ص: 316

فقالوا: نعم فدعيت في نفر من قريش فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه فقال: أيكم أقرب نسبًا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقلت: أنا .. فأجلسوني بين يديه وأجلسوا أصحابي خلفي ثم دعا بترجمانه

فقال: قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فإن كذبني فكذبوه.

قال أبو سفيان: وايم الله لولا أن يؤثروا علي الكذب لكذبت.

ثم قال لترجمانه سله كيف حسبه فيكم؟ قلت. هو فينا ذو حسب. قال: فهل كان من آبائه ملك؟ قلت: لا.

قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا.

قال: أيتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم. قال: يزيدون أو ينقصون؟

قلت: لا بل يزيدون.

قال: هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟ قلت: لا.

قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم.

قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: تكون الحرب بيننا وبينه سجالًا يصيب منا ونصيب منه. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا ونحن منه في هذه المدة لا ندري ما هو صانع فيها. قال: والله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئًا غير هذه (1).

(1) يقصد أبو سفيان أنه لم يستطع أن يقدح في النبي صلى الله عليه وسلم إلا في قوله: أنه لا يدري هل سيغدر في المستقبل أم لا.

ص: 317

قال: فهل قال هذا القول أحد قبله؟ قلت: لا.

ثم قال لترجمانه قل له إني سألتك عن حسبه فيكم فزعمت أنه فيكم ذو حسب .. وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومهم.

وسألتك هل كان في آبائه ملك فزعمت أن لا .. فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه.

وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم فقلت: بل ضعفاؤهم .. وهم أتباع الرسل.

وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا .. فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله.

وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له فزعمت أن لا .. وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب. وسألتك هل يزيدون أم ينقصون فزعمت أنهم يزيدون .. وكذلك الإيمان حتى يتم.

وسألتك هل قاتلتموه فزعمت أنكم قاتلتموه فتكون الحرب بينكم وبينه سجالًا ينال منكم وتنالون منه .. وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة.

وسألتك هل يغدر فزعمت أنه لا يغدر .. وكذلك الرسل لا تغدر.

وسألتك هل قال أحد هذا القول قبله فزعمت أن لا فقلت لو كان قال هذا القول أحد قبله قلت رجل ائتم (1) بقول قيل قبله.

(1) يعني قلّد قول أناس قبله.

ص: 318

ثم قال: بم يأمركم؟ قلت: يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف.

قال إن يك ما تقول فيه حقًا فإنه نبي وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أك أظنه منكم ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه .. وليبلغن ملكه ما تحت قدمي. ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمَّد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم .. وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ} إلى قوله {اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)} فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط وأمر بنا فأخرجنا.

فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أمر أمر بن أبي كبشة إنه ليخافه ملك بني الأصفر فما زلت موقنًا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيظهر" (1).

"والله ما زلت ذليلًا مستيقنًا بأن أمره سيظهر"(2) لكنها الزعامة والسلطة التي تخول صاحبها تشويه الحقيقة وتبرير رفضها لم ينتفع هرقل من تلك الرسالة لكنه يشعر بوخزها المؤلم في ضميره ولم يكن أبو سفيان أحسن حالًا منه .. أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن يعقد آمالًا على عناد كهذا .. كان يتطلع إلى مساحات خصبة يقف هذان العنيدان حراسًا للقحط وتغييب الأخضر عنهما .. لكن لا يأس مع الدعوة ومن يحمل الحق لا بد أن ينتشر وينتصر ولو متأخرًا. .فالتأخير مجرد تمحيص للضمائر والأتباع .. والتأخير في حقيقة الأمر هو اتجاه نحو الجذور وسفر في الأعماق كي

(1) حديث صحيح رواه البخاري 4 - 1658 و3 - 1076.

(2)

حديث صحيح رواه البخاري 4 - 1658 و 3 - 1076.

ص: 319

تتعالى شجرته في السماء بعد أن تتمكن في الضمائر والعقول والوجدان .. أما تلك النباتات التي تظهر فجأة وبسرعة ودون رصيد جذري فما هي إلا ريح واحدة وتختفي .. لم يكن في رسائل النبي التهديد بقوة عسكرية أو زحف أحمر لا يرحم .. كانت الرسائل موجهة نحو الضمير والعقل .. كانت رسائل تهز من الداخل وتغزو من العمق فليس هناك من يستطيع اليوم تهديد هرقل أو كسرى .. لكنها رسالة الإسلام التي لا تعرف حدودًا.

وقد أدرك هرقل أنه إن لم يستقبل الحق اليوم فسوف يستقيل له غدًا .. وأدرك أبو سفيان من قول هرقل ما كان يرفض إدراكه منذ سنين .. والقريب دائمًا لا يقنع بإبداع القريب منه إلا بعد أن يرى اعترافات الأبعد والأقوى تنهال على قريبه المبدع .. والنبي-صلى الله عليه وسلم لم يكن ليضيع أوقاته في إقناع المعاند والحاسد فالإسلام والزمن كفيلان بهما .. وبعد أن وصلت إلى مسامع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الردود قال لأصحابه وحيًا صادقًا وبشرى لن تتخلف .. قال "صلى الله عليه وسلم: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده .. وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله"(1).

أما النجاشي فلا أدري ما هو رده على الرسالة الموجهة له .. لكن يبدو أن الرسالة الموجهه إلى هرقل أحدثت تداعيات مزعجة ومقلقة للنبي صلى الله عليه وسلم ولدولته مما جعله يعد جيشًا لملاقاة طموحات الروم بإيقاف النبوة والإسلام وتداعيات الرسالة .. النبي صلى الله عليه وسلم يعد الآن جيشًا للتوجه للشام .. لكنه قبل ذلك يقوم بـ

(1) صحيح البخاري 3 - 1135.

ص: 320