الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاستمسك عرقه، فما قطر قطرة) (1) من دم. وبقي سعد صابرًا في خيمته .. محتسبًا ألم جرحه عند الله .. حتى أتاه الفرج .. وأتاه مبعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبه للحكم في قضية خيانة بني قريظة .. حُمل سعد على حمار وتوجه به المبعوث إلى بني قريظة .. وقبل أن يصل سعد .. كان هناك اضطراب وضجيج وحركة داخل الحصن .. وفجأة فتح الباب .. وخرج منه رجال ونساء .. إنهم يتوجهون الآن نحو النبي صلى الله عليه وسلم.
من الذين خرجوا من حصن بنى قريظة
إنهم رجال ونساء يريدون الإِسلام والنجاة في الدنيا والآخرة .. هؤلاء (بعضهم لحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فآمنهم وأسلموا)(2).
وكان من بين هؤلاء .. ثلاثة شباب ليسوا من بني قريظة .. لكنهم دخلوا حصونهم ودينهم منذ زمن هربًا من الشرك .. لعل الله أن يهديهم على يد ذلك النبي المنتظر الذي تنتظره اليهود ..
يحدثنا عن هؤلاء الثلاثة رجل شاهدهم وسمعهم وعاش معهم .. وخرج معهم من الحصن .. (شيخ من بني قريظة قال: هل تدري عما كان إسلام: أسيد، وثعلبة ابني سعية، وأسد بن عبيد: نفر من هذل، لم يكونوا من بني قريظة ولا النضير، كانوا فوق ذاك؟ فقلت: لا، قال: فإنه قدم علينا رجل من الشام، من اليهود، يقال له:"ابن الهيبان" فأقام عندنا، والله ما رأينا رجلًا قط يصلي الخمس خيرًا منه، فقدم علينا قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، فكنا إذا قحطنا، وقل علينا المطر نقول:
يا ابن الهيبان .. اخرج فاستسق لنا، فيقول:
(1) سنده صحيح رواه أحمد (3/ 350) وقد مر معنا تخريجه تحت عنوان خيانة ثالثة.
(2)
حديث صحيح رواه البخاري (4028).
لا والله، حتى تقدموا أمام مخرجكم صدقة. فنقول: كم؟ فيقول: صاعًا من تمر أو مدين من شعير، فنخرجه، ثم يخرج إلى ظاهر حرتنا -ونحن معه- فيستسقى، فوالله ما يقوم من مجلسه حتى تمر الشعاب، قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين، ولا ثلاثة.
فحضرته الوفاة، واجتمعنا إليه. فقال:
يا معشر اليهود .. ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير (1)، إلى أرض البؤس والجوع (2)؟ قالوا: أنت أعلم.
قال: إنما أخرجني أتوقع (3) خروج نبي قد أظل زمانه، هذه البلاد مهاجره، فأتبعه، فلا تسبقن إليه إذا خرج يا معشر يهود، فإنه يبعث بسفك الدماء، وسبي الذراري والنساء ممّن يخالفه، فلا يمنعكم ذلك منه.
ثم مات. فلما كانت الليلة التي فتحت فيها قريظة، قال أولئك الفتية وكانوا شبابًا أحداثًا: يا معشر يهود .. والله إنه للذي ذكر لكم ابن الهيبان.
فقالوا: ما هو به.
قالوا: بلى والله، إنه لصفته، ثم نزلوا، فأسلموا، وأحرزوا أموالهم، وأولادهم، وأهاليهم) (4) انتهى كل شيء بالنسبة لهم .. لم يعودوا أعداءً ..
(1) أي أرض الشام حيث الأنهار والأشجار والخمر.
(2)
أي المدينة قبل أن يدعو لها النبى صلى الله عليه وسلم بالبركة.
(3)
أي أنتظر وأتربص وآمل.
(4)
سنده صحيح رواه ابن إسحاق ومن طريقه البيهقي (2/ 80): حدثنى عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بنى قريظة .. وعاصم تابعى ثقة عالم بالمغازي التقريب .. وشيخه صحابي أدرك ذلك الحدث وأسلم رضي الله عنه وروى ذلك الحدث وقد يكون عطية القرظي رضي الله عنه.
ولم يجدوا من يعاتبهم أو يلومهم .. أو حتى يذكرهم بمواقفهم .. انتهى كل شئ فالإسلام يمحو ما قبله .. أدرك هؤلاء أن دين الله الصحيح أرحب من أن يحبس في حصن من حصون يهود .. وأعظم من أن تستقل به قبائل بني إسرائيل .. خرج هؤلاء فوجدوا أذرعًا وقلوبًا مفتوحة .. ووجدوا رسول الله والإِسلام .. وأما من أغلقوا على أنفسهم أبواب الحصن والعناد والتعصب .. فقد وصل إليهم سعد بن معاذ كما طلبوا .. وصل سعد على حماره .. قطع تلك المسافة ليرضى الله ورسوله .. ولتقر عينه من بني قريظة الخونة .. كان:
وصول سعد بن معاذ إلى ذلك المكان يحبس الأنفاس .. شاهده النبي صلى الله عليه وسلم وهو قادم .. وكان صلى الله عليه وسلم في مسجده المؤقت قرب الحصن .. فسر لمرآه .. وهتف بأصحابه: (قوموا لسيدكم)(1) يقول أبو سعيد الخدري رضى الله عنه: (نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد، فأتى على حمار، فلما دنا قريبًا من المسجد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا لسيدكم، أو لخيركم، ثم قال: إن هؤلاء نزلوا على حكمك)(2).
كل هذا يحدث ومازال أمام اليهود فرصة للحياة بالإِسلام .. لكنه الحسد .. كيف يخضع بنو إسرائيل لعربي .. وكأن الإِسلام والتوحيد جاءا من أجل العرب لا من أجل الدنيا كلها .. اكتفوا بمناشدة سعد والتوسل إليه .. فماذا قال سعد يا عائشة .. ؟ تقول رضي الله عنها إن اليهود: (قالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ، فأتي به على حمار عليه إكاف من ليف قد حمل عليه، وحف به قومه.
(1) حديث صحيح رواه البخاري (4121).
(2)
حديث صحيح رواه البخاري (4121).
"فقالوا: يا أبا عمرو .. حلفاؤك، ومواليك، وأهل النكاية، ومن قد علمت -ولا يرجع إليهم شيئًا ولا يلتفت إليهم- حتى دنا من دورهم، التفت إلى قومه فقال:
قد آن لي أن لا أبالي في الله لومة لائم".
قال أبو سعيد: فلما طلع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قوموا إلى سيدكم "فأنزلوه. قال عمر: سيدنا الله.
قال: أنزلوه" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احكم فيهم.
فقال سعد: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلهم، وتسبى ذراريهم، وتقسم أموالهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الله [من فوق سبع سماوات]) (1)(حكم الله فيهم وكانوا أربعمائة)(2) مقاتل .. خانوا .. وتربصوا بالمؤمنين الدوائر .. وتعاونوا مع الأعداء لإزالة دولة الإِسلام ..
أخذ هؤلاء على حدة .. وأخذ الأطفال والنساء على حدة .. أما من أسلم فقد عاد إلى الحصن .. إلى أهله وأولاده وإلى ماله الذي لم يمس .. ثم توجه بهم المسلمون نحو سوق المدينة .. وأدخل النساء والأطفال بيوت
(1) حديثٌ حسنٌ عدا ما بين الأقواس الصغيرة وله شواهد صحيحة .. وهو حديث عائشة الذي حسنه ابن كثير وهو من طريق محمَّد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده عن عائشة .. وأبوه يحتاج إلى توثيق - والحديث حسن بالأحاديث الصحيحة عند البخاري وأحمدُ وغيرهما والزيادة بين المعقوفين حسن عند ابن سعد (3/ 426) من طريق التمار وهو حسن الحديث ولها شاهد مرسل عند ابن إسحاق .. من طريق محمَّد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده ..
(2)
سنده صحيح وقد مر معنا من رواية الليث عن أبي الزبير عن جابر عند أحمد (3/ 350) وقد مر تحت عنوان (خيانة ثالثة).