الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو بصير في المدينة
والمعاهدة بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش لا تزال سارية المفعول والبنود .. فماذا سيكون مصيره وهو الهارب من قومه .. المهاجر إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .. هل سيرده كما رد أبا جندل من قبل .. لقد (رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجاء أبو بصير -رجل من قريش- وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين.
فقالوا: العهد الذي جعلت لنا. فدفعه صلى الله عليه وسلم إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدًا، فاستله الآخر، فقال: أجل .. والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت، فقال أبو بصير: أرني انظر إليه، فأمكنه منه، فضربه به حتى برد (1) وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه: لقد رأى هذا ذعرًا.
فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل صاحبي وإني لمقتول، فجاء أبو بصير، فقال: يا نبي الله .. قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد.
فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر) (2) في هذه الأثناء التي لجأ فيها أبو بصير إلى جوار البحر .. فر أبو جندل من أسره وانطلق يحمل حريته بيديه .. وترامى إلى سمعه أن أبا بصير هناك على ساحل البحر الأحمر .. فانطلق إليه واتحد معه في تشكيل مساحة
(1) أي ضعف وفتر والمقصود أنه مات.
(2)
هو حديث المسور ومروان الطويل الصحيح.
من الرعب والخوف ليس لها حدود سوى الموت .. فبعد أن (قال النبي صلى الله عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر. وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام، إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم)(1) وتركوا لقريش النواح على قتلاها والندم على صدها لمحمد وأصحابه .. والندم على تلك الشروط التي زرعت في طريقها أولئك الأسود .. أولئك الشباب الذين ضيقت عليهم طواغيت الشرك كل طرق الحياة الهانئة .. وأشرعت لهم طريقًا واحدًا .. طريق العنف المضاد .. فحول أولئك الشباب ذلك الطريق إلى نهر تهدر فيه دماء قريش وكرامتها ..
أما محمد صلى الله عليه وسلم فهو في حل مما يحدث .. ولا مسؤولية عليه مادام هذا العنف المضاد لا يمارس داخل حدود دولته .. فقد رفض استقبال أولئك المظلومين تنفيذًا لشروط قريش وإرادتها الظالمة .. فلتتحمل قريش مسؤولية طغيانها .. أما النبي صلى الله عليه وسلم .. فبعد أن رد صاحبه أبا بصير الذي جعلته المعاهدة طريدًا شريدًا .. لا يملك مساحة يعيش عليها سوى مساحة سيفه .. توجه صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه المتعبين من طول السفر وأمرهم بالاستعداد من جديد .. لسفر جديد .. فقد أمن شر قريش .. وأشغلها أبو بصير وأبو جندل ومن معهما بالرعب المشروع والسيوف الملتهبة .. وقد حان تأديب أحد أطراف معركة الخندق .. وهم اليهود القابعون في حصون خيبر .. فلا يكفي قتل قائدهم الخائن أبي رافع (سلَّام ابن أبي
(1) هو حديث المسور ومروان الطويل الصحيح.