الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خارج عن نطاق العقل .. ولا تجدي مع هذه الهمجية أساليب الحوار ولا تنقاد لحق إلا بعد كسر شوكتها .. أما من لم يتعرض لدولة الإِسلام بشر فلن يتعرض له أحد .. بل سيجد من دولة التوحيد وجيشها صدورًا مفتوحة وأخلاقًا رفيعة آسرة كما حدث في هذه السرية التي قادها عليه السلام بنفسه .. وكانت:
سرية من أربعين رجلًا وامرأة تقود قومها إلى الإسلام
سرية مثيرة كلها دعوة ومعجزات .. أحد فرسانها صحابي جليل اسمه عمران بن حصين وهو يقول: "كنت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم في مسير له فأدلجنا ليلتنا حتى إذا كان في وجه الصبح عرسنا فغلبتنا أعيننا حتى بزغت الشمس .. فكان أول من استيقظ منا أبو بكر وكنا لا نوقظ نبي الله صلى الله عليه وسلم من منامه إذا نام حتى يستيقظ ثم استيقظ عمر فقام عند نبي الله صلى الله عليه وسلم[فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس وكان رجلًا جليدًا فكبر ورفع صوته بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير] حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت قال: ارتحلوا. [فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله .. فاتتنا الصلاة فقال: لم تفتكم، ثم أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فركبوا] فسار بنا حتى إذا ابيضت الشمس نزل [ونزلوا معه وكأنه كره أن يصلي في المكان الذي نام فيه عن الصلاة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتوني بماء، فأتوه بجريعة من ماء في مطهرة فصبها رسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء ثم وضع يده في الماء تم قال لأصحابه: توضؤوا][ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادى بالصلاة، فنودي بها ثم قام] فصلى بنا الغداة فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا .. فلما انصرف قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا فلان ما منعك أن تصلى معنا؟ قال: يا نبي الله أصابتني جنابة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فتيمم
بالصعيد فصلى. ثم عجلني في ركب بين يديه نطلب الماء وقد عطشنا عطشًا شديدًا [فأقبل رجلان من أصحابه أحسبه عليًا والزبير أو غيرهما قال إنكما ستجدان بمكان كذا وكذا امرأة معها بعير عليه مزادتان فأتياني بها] فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين فقلنا لها أين الماء قالت: أيهاه .. أيهاه لا ماء لكم قلنا: فكم بين أهلك وبين الماء قالت مسيرة يوم وليلة قلنا انطلقى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: وما رسول الله [ومن رسول الله هذا الصابئ؟ قالا هو الذي تعنين وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم] فلم نملكها من أمرها شيئًا حتى انطلقنا بها فاستقبلنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فسألها فأخبرته مثل الذي أخبرتنا وأخبرته أنها موتمة لها صبيان أيتام [فقال على: يا رسول الله بأبي وأمى إنا وجدنا هذه بمكان كذا وكذا .. فسألتها عن الماء فزعمت أن بينها وبين الماء مسيرة ليلة أو زيادة فظننا أن لم نبلغه حتى يهلك منا من هلك .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنيخوا لها بعيرها .. فأناخوا لها بعيرها. فأقبلت عليهم. فقالت: استقيت لأيتام .. وقد احتبست عليهم جدًا .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتوني بإناء فجاؤوا بإناء] فأمر براويتها فأنيخت [فقال: افتحوا عزلاء هذه فخذوا منها ماءً يسيرًا ثم افتحوا عزلاء هذه فخذوا منها ماءً يسيرًا أيضًا .. ففعلوا ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا فيه وغمس يده فيه فقال افتحوا لي أفواه المزادتين ففتحوا فحثا في هذه قليلًا وفي هذه قليلًا] فمج في العزلاوين العلياوين ثم بعث براويتها فشربنا ونحن أربعون رجلًا عطاشًا حتى روينا وملأنا كل قربة معنا وإداوة وغسلنا صاحبنا غير أنا لم نسق بعيرًا وهي تكاد تنضرج من الماء يعني المزادتين [ثم قال أسقوا ظهركم فسقوا الظهر حتى روي ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هاتوا ما كان لكم من قربة أو مطهرة فاملؤوها فجاؤوا بقربهم ومطاهرهم فملؤوها ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شدوا عزلاء هذه وعزلاء هذه ثم قال:
ابعثوا البعير فبعثوها فنهضت وإن المزادتين لتكادان تفطان من ملئهما ثم اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كساء المرأة] ثم قال هاتوا ما كان عندكم فجمعنا لها من كسر وتمر وصر لها صرة فقال لها اذهبي فأطعمى هذا عيالك واعلمي أنا لم نرزأ من مائك [قال خذي هذا لأيتامك وهذا ماءك وافرًا فجعلت تعجب مما رأت ثم انطلقت حتى أتت أهلها فقالوا: قد احتبست علينا فما حبسك] فلما أتت أهلها قالت لقد لقيت أسحر البشر أو إنه لنبي كما زعم كان من أمره ذيت وذيت [أرأيتم مزادتي هاتين فوالله لقد شرب منهما][وأخذوا من القرب والمزاد والمطاهر ما لا أحصي ثم إنهما الآن أوفر منهما يومئذ فلبثت شهرًا أو نحوًا من ذلك] فهدى الله ذاك الصرم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا [ثم أقبلت في ثلاثين راكبًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم] " (1) فاستقبلها بالقلب الذي يستقبل به كل حبيب مهاجر إلى مدينة التوحيد .. وقدم لأصحابه طرازًا نسويًا رفيع المستوى .. امرأة تتسلل إبداعًا في عقول قومها وتمحو ذاكرة وثنية متخثرة موغلة في القدم .. ثم تقنعهم بالمسير معها في رحلة ممتعة نحو مدينة الوعي الجديد بعد شهر من نشر التوحيد في بيوتات قومها ..
إنجاز غير مسبوق للمرأة في زمن قياسي مدهش لم ينجزه سوى النبي صلى الله عليه وسلم .. والمرأة قادرة على أكثر من ذلك لكن ذلك مشروط بقدرتها على التخلص من عقد القصور والاضطهاد والأنوثة التي تتذرع بها للتفلت
(1) صحيح مسلم 1 - 474 والزيادة الأولى عند البخاري 1 - 131 والزيادة الثانية والثالثة والسادسة وما بعدها عند البيهقي في الدلائل 4 - 279 وهي زيادة قوية الإسناد والزيادة الرابعة والخامسة في سنن البيهقي الكبرى 1 - 32 وقد رواها من طريقين قويين عن عبد الرزاق حدثنا معمر عن عوف عن أبي رجاء عن عمران وعبد الرزاق عن معمر سند صحيح وباقي السند: سند الشيخين.