الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يهدد قادة مكة في عقر دارهم .. ويهددهم بقطع تجارتهم إن لم يتعقلوا ويدعوه وشأنه .. أما في بلده .. في المدينة فكان يهدد دفعًا عن عرض النبى صلى الله عليه وسلم زعيم المنافقين بالموت .. كان مستعدًا للإجهاز على رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول .. رضي من رضي وسخط من سخط .. هذا هو سعد في مواجهته لجبهتي الشرك والنفاق .. أما في مواجهته لليهود فقد قال فى قريظة كلمته .. كان رضي الله عنه يفعل ذلك لله وحده ودفاعًا عن دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم ودعوته التى يحاول المشركون والمنافقون واليهود القضاء عليها .. فرحم الله سعدًا ما أعظمه .. ورضي عنه وأرضاه وحشرنا معه ومع نبيه صلى الله عليه وسلم .. سافر سعد إلى الجنة .. لكنه ترك لليهود وغيرهم درسًا.
ولحق بسعد بن معاذ فارس آخر .. وعظيم آخر .. لحق به المجاهد العابد .. الذي كاد ينسى زوجته وماله والدنيا بأسرها ليتفرغ للعبادة .. العبادة فقط .. مات الذي أعاده النبي صلى الله عليه وسلم إلى سنته وزوجته .. والذي كان في حياته دروس .. وفي مماته دروس.
مات عثمان بن مظعون
فبكته حبيبته .. وبكته نساء .. وبكاه الرجال .. وسال دمع النبي صلى الله عليه وسلم على خدي عثمان وهو يقبّله بحزن يملأ صدره .. مات ذلك العابد الذي باع الدنيا كل الدنيا واشترى الآخرة .. فكان مشهد جنازته والأحباب من حولها مشهدًا يذيب الصخر والقلوب .. ويذيب النواح .. ها هو صلى الله عليه وسلم وقد (دخل على عثمان بن مظعون يوم مات فأحنى عليه (1) كأنه يوصيه، ثم رفع رأسه، فرأوا في عينيه أثر البكاء، ثم أحنى عليه ثانية، ثم رفع رأسه
(1) أي انحنى عليه وأكب.
فرأوه يبكى، ثم أحنى عليه الثالثة، ثم رفع رأسه وله شهيق، فعرفوا أنه قد مات، فبكى القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
مه .. إنما هذا من الشيطان، فاستغفروا الله (1)، ثم قال: اذهب عنها أبا السائب فلقد خرجت ولم تلتبس منها بشىء) (2)، كانت عائشة هناك .. حزينة مثل بقية الحاضرين .. شاهدت دموعه صلى الله عليه وسلم وهي تسيل على خدي عثمان بن مظعون رضي الله عنه .. فقالت:
(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّل عثمان بن مظعون وهو ميت "وهو يبكي، وعيناه تهرقان" فرأيت دموعه تسيل على خدّيه)(3)، أي على خدي عثمان .. حزنًا على ذلك الصاحب الزاهد .. القائم الصائم .. الذي سافر عن الدنيا نقيًا دون أن تلوثه .. شهد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .. شهد صلى الله عليه وسلم لعثمان بالنقاء والصفاء من الدنيا .. فهل يعني أن كل من كان مثله نقول عنه إنه من أهل الجنّة .. النبي صلى الله عليه وسلم يبكي .. يشهد لعثمان بالزهد .. زوجته تشهد له بالصيام والقيام ألا يكفي ذلك للجزم بدخوله الجنة؟ .. لا
(1) طالبهم صلى الله عليه وسلم بالاستغفار لا من أجل البكاء لأنه بكى قبلهم وهو لم يحرم البكاء على الميت لكنه نهي عن رفع الصوت نواحًا على الميت ويطلق عليه بكاء أيضًا، لكنه بكاء محرم كما مر في البكاء على حمزة رضي الله عنه.
(2)
سنده قوي وقد ضعفه الشيخ شعيب حفظه الله في السير (1/ 156) بل جعله واهيًا ومتنه منكرًا .. ولعله اعتمد في ذلك على قول الإمام الهيثمي: ولم أعرفهما، يقصد شيخ الطبراني راوي الحديث ووالد شيخه .. لكن نظرة سريعة على التقريب والتهذيب تغنى عن ذلك، فشيخه عبد العزيز بن عمر بن مقلاص ثقة فاضل معروف -التهذيب والتقريب (2/ 59) وكان ملازمًا لحلقة أبيه الثقة ووالده له ذكر في التهذيب وغيره وأنه كان يدارس العلماء ويكفيك من تلاميذه: أبو حاتم وأبو زرعة والعقيلى قال أبو حاتم عنه: صدوق (5/ 391).
(3)
أخرجه الترمذيُّ (2/ 130) وصححه والبيهقيُّ وغيرهما، وله شاهد بإسناد حسن يراجع في "مجمع الزوائد"(3/ 20).